في أعقاب الانسحاب الكامل للمجموعات الإيرانية وسقوط النظام السابق في سوريا، تحوّلت محافظة ديرالزور إلى مسرح مفتوح لعمليات النهب والتخريب، حيث لم تسلم حتى المواقع العسكرية المهجورة من الفوضى. ومع غياب الحماية الرسمية، باتت منشآت استراتيجية مثل مستودعات "عياش"، "كتيبة الرادار"، "المطار القديم"، وبناء "الشرطة العسكرية"، عرضة للانتهاك والتجريف.
هذه المواقع لم تكن فقط مقارًا عسكرية، بل كانت تحتوي على مستندات ووثائق مرتبطة بسنوات من الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال فترة النظام السوري السابق، وبعضها يرتبط بتدريب وتخطيط عمليات عسكرية سرية. ما يُثير القلق الأكبر هو أن هذه الاعتداءات لا تقتصر على السرقات، بل يبدو أنها تهدف في كثير من الأحيان إلى طمس معالم تلك المرحلة من الصراع السوري، من خلال إزالة المستندات وتفكيك البنية التحتية التقنية واللوجستية.
يقول، أحد سكان قرية عياش، إن مجموعات محلية تُعرف بـ"العفيشة" — وهو مصطلح يُطلق على عصابات النهب — تتسلل بشكل مستمر إلى مستودعات عياش ومعسكر الصاعقة، شاهدهم ينقلون مستندات في صناديق ويقومون بحفر الأرض لاستخراج كابلات الاتصالات وبيعها كخردة.
وتتزايد المخاوف بين المدنيين، خصوصًا مع وجود ذخائر غير منفجرة وألغام في تلك المناطق. "أطفالنا يلعبون قرب المطار القديم كل يوم"، تقول أم من حي هرابش في مدينة ديرالزور، "ونحن نعيش في خوف دائم من أن يقع أحدهم ضحية للغمٍ أو انفجار".
ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الفوضى تجري وسط غياب كامل للحكومة الجديدة أو أي قوة ضامنة للأمن. لا جهود تُبذل لتطويق المناطق الملوثة بالألغام، ولا توجد خطط لحماية الوثائق أو ترميم هذه المنشآت. ووفقًا لشهادات متطابقة، فإن ما يحدث يُعدّ في جزء منه عملية ممنهجة لإزالة آثار فترة حرجة من الصراع، ومسح سجلات من شأنها أن تُستخدم لاحقًا في محاكمات أو تحقيقات جنائية.
تكشف هذه الفوضى عن ثغرات كبرى في مرحلة ما بعد الصراع، حيث تغيب مؤسسات الدولة، وتفشل الجهود الدولية في إرساء منظومة عدالة انتقالية أو حتى حماية البنى التحتية. كما تُظهر كيف أن غياب الأمن يفتح الباب أمام جهات متعددة لاستغلال الوضع، سواء بدافع الجريمة أو السياسة.
أخيرًا، ديرالزور اليوم تواجه تحديًا يتجاوز مجرد إعادة الإعمار؛ إنها معركة من أجل الذاكرة والحقيقة. فكل وثيقة تُحرق، وكل موقع يُنهب، هو جزء من الرواية السورية التي تُمحى تدريجيًا أمام أعين العالم.