شهدت مدينة الرقة خلال السنوات الماضية موجات نزوح كبيرة من مختلف المناطق السورية، حيث لجأت إليها آلاف العائلات الفارّة من نيران الحرب والقصف، بحثًا عن ملاذ آمن. وبالرغم من سقوط النظام السوري في كانون الأول من عام 2024، وتراجع نفوذ الميليشيات الأجنبية، إلا أن التحديات لم تنتهِ بالنسبة لهؤلاء النازحين، خاصة مع دمار مدنهم الأصلية وانعدام الخدمات الأساسية فيها.
منذ العام 2013، بدأت محافظة الرقة باستقبال العائلات النازحة من مدن مثل دير الزور، تدمر، السخنة، ريف حلب، ريف إدلب، وريف الرقة نفسه. استقر البعض في مخيمات عشوائية بلغ عددها نحو 58 مخيمًا بحلول عام 2023، بينما توزّع آخرون في قرى ريف الرقة أو لجأوا للسكن في أبنية مهدّمة ومواقع غير مؤهّلة للعيش.
ورغم تحسن الوضع الأمني في بعض المناطق بعد التغييرات السياسية الأخيرة، فإن الكثير من العائلات لم تتمكن من العودة إلى مدنها وقراها بسبب الخراب الكبير الذي لحق بالبنية التحتية، وعدم وجود أي برامج إعمار واضحة أو دعم خدمي كافٍ.
يقول أحد النازحين (ع. ح)، 37 عامًا من مدينة الميادين:
"منذ شهرين حاولت العودة مع إخوتي إلى منطقتنا. ما وجدناه كان صادمًا؛ منازل مدمّرة بالكامل، أحياء اختفت، وأسواق تحوّلت إلى أنقاض. حاولنا ترميم ما يمكن من منزلنا ومنزل عمّي، لكن الصعوبات كانت تفوق قدرتنا بكثير. لا كهرباء، لا ماء، لا خدمات... فاضطررنا للعودة مجددًا إلى الرقة بانتظار تحرك حقيقي لإعادة الإعمار."
تواجه العائلات العائدة إلى مناطقها تحديات لا تقتصر على الدمار، بل تمتد إلى الواقع الخدمي المتردي، وغياب فرص العمل، وارتفاع كلفة المعيشة. في المقابل، لا تزال الرقة نفسها تعاني من مشاكل كبيرة في البنية التحتية، ونقص الموارد والخدمات، ما يجعل حياة النازحين فيها أيضًا بعيدة عن الاستقرار.
يبقى مصير هؤلاء العائلات معلقًا بين أنقاض مدنهم الأصلية وواقع مأزوم في مناطق نزوحهم. وفي ظل غياب خطط وطنية شاملة لإعادة الإعمار، تبقى العودة مجرد حلم مؤجل، والعيش الكريم تحديًا يوميًا.
وتبرز الحاجة اليوم إلى تدخل سريع من الجهات المعنية، سواء محليًا أو دوليًا، لإطلاق برامج دعم حقيقية، تضمن إعادة بناء المناطق المتضررة، وتحسين الظروف المعيشية للنازحين، ليعودوا إلى ديارهم بكرامة وأمان.