يبدو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يحاول استعادة حضوره في المشهد السوري بعد سنوات من التراجع، وفقًا لتقارير دولية جديدة نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز". وبينما لم يعد يملك التنظيم السيطرة الجغرافية الواسعة التي تمتع بها قبل عقد، فإن تحركاته الأخيرة، سواء على مستوى الهجمات أو تجنيد المقاتلين، تؤكد أن الخطر لا يزال قائمًا.
خلايا نائمة وسجون مشتعلة
بحسب التقديرات، يحتجز في سجون "قوات سوريا الديمقراطية" ما بين 9000 و10000 من مقاتلي التنظيم، إلى جانب نحو 40 ألف فرد من عائلاتهم. ويرى محللون أن هذه السجون تمثل ما يشبه "خزّانًا بشريًا" يمكن أن يُغذي التنظيم في حال حدوث اختراق أمني أو اضطرابات.
كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة "صوفان" الأمنية، وصف هذه السجون بأنها "جوهرة التاج" بالنسبة للتنظيم، موضحًا أن المحتجزين يتمتعون بخبرة قتالية، وقد يصبحون نواة لإعادة بناء القوة الضاربة للتنظيم.
عقيدة بلا حدود: حرب الأيديولوجيا مستمرة
رغم خسارة الأرض، لا يزال التنظيم يبث رسائله الإيديولوجية، مستفيدًا من الإنترنت وشبكات محلية وإقليمية. ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن التنظيم لا يعمل فقط على شن الهجمات، بل يسعى أيضًا لاستقطاب مقاتلين جدد وإعادة تأطير حضوره في بيئات هشة.
تصاعد الهجمات: إشارات مقلقة
وفق وزارة الدفاع الأمريكية، أعلن تنظيم "الدولة" مسؤوليته عن 294 هجومًا داخل سوريا خلال عام 2024، مقارنة بـ121 فقط في العام السابق. بينما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أرقام أعلى، تصل إلى نحو 400 هجوم، ما يعكس نمط تصعيد واضح في العمليات.
استراتيجية أمريكية مزدوجة: الأمن والمعلومات
الولايات المتحدة، التي ضاعفت عدد قواتها البرية في سوريا إلى نحو 2000 جندي، تواصل عمليات الاستهداف الجوي والعمليات الخاصة ضد قيادات التنظيم. في آذار الماضي، أعلنت مقتل "أبو خديجة"، الرجل الثاني في التنظيم، عبر عملية دقيقة نشرت لاحقًا مشاهد منها.
كما أشارت تقارير إلى أن وزارة الدفاع السورية، بناءً على معلومات استخباراتية أمريكية، أحبطت ثماني هجمات كانت تستهدف العاصمة دمشق، في خطوة وصفها مراقبون بأنها مؤشر أولي على تعاون أمني محتمل بين الطرفين.
تحالف إقليمي ضد التمدد الجهادي
ضمن رد فعل إقليمي، أعلنت دول المنطقة (الأردن، سوريا، العراق، لبنان، تركيا) عن إنشاء مركز عمليات مشترك في 9 آذار الماضي، يهدف إلى تنسيق الجهود لمواجهة التنظيم، والتعامل مع تحدي سجون مقاتليه وأسرهم.
تنظيم الدولة: خطر يتجدد لا يموت
رغم أن المشهد الحالي لا يوحي بعودة "الخلافة" كما عرفها العالم في 2014، إلا أن النشاط المتزايد للتنظيم يؤكد أنه لا يزال لاعبًا مزعجًا، يستفيد من الثغرات الأمنية والسياسية، ويبحث عن أي فرصة للانقضاض مجددًا. والخطر الأكبر يكمن في الجمع بين الأيديولوجيا والعناصر القتالية المتمرسة، وهو ما يستدعي مقاربة أمنية متعددة الأطراف، لا تقتصر فقط على الضربات الجوية.