مرّ شهر على تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي أعلنت عنها الحكومة السورية في أعقاب التوترات الأمنية التي شهدها الساحل السوري مطلع آذار الماضي، دون أن تبرز نتائج ملموسة أو تقارير رسمية توضح سير عمل اللجنة أو استجابتها لمطالب أهالي الضحايا.
الاشتباكات بدأت في السادس من آذار، عندما نفذت مجموعات مسلحة – يضم بعضها عناصر سابقة في الجيش – هجومًا على أحد حواجز الأمن العام في مدينة جبلة وريفها، ما أسفر عن مقتل عدد من العناصر، وتبع ذلك تصعيد أمني واسع شمل قصفًا جويًا وعمليات أمنية في عدد من القرى، أبرزها دوير بعبدة وبيت عانا. وخلال ساعات، فرضت تلك المجموعات سيطرة مؤقتة على بعض مداخل المدينة، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من استعادة السيطرة والإعلان عن “نفير عام” عبر مكبرات الصوت في المساجد.
خلال التطورات اللاحقة، تم تسجيل عدد من الانتهاكات التي طالت السكان، من بينها عمليات قتل، اختفاء قسري، اعتقالات دون أوامر قضائية، بالإضافة إلى حوادث نهب وحرق ممتلكات خاصة وعامة. وتشير شهادات من الأهالي إلى أن الأوضاع الإنسانية تدهورت بشكل ملحوظ، وسط توتر أمني غير مسبوق في المنطقة.
في التاسع من آذار، أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بهدف التحقيق في ملابسات هذه الانتهاكات، والاستماع إلى شهادات ذوي الضحايا وتوثيق الوقائع تمهيدًا لتحديد المسؤوليات. الخطوة لاقت ترحيبًا مبدئيًا من سكان المنطقة الذين رأوا فيها فرصة لفتح باب العدالة وتعويض المتضررين.
إلا أن متابعات ميدانية بعد مرور شهر على تشكيل اللجنة، أظهرت أن الغالبية الساحقة من الأهالي لم يتم التواصل معهم من قبل أي جهة تحقيق، كما لم تُسجل زيارات رسمية لجمع الإفادات أو توثيق الخسائر. وهو ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية اللجنة والجهات التي تشرف عليها، إضافة إلى مخاوف من أن تظل الإجراءات في الإطار الشكلي دون التقدم إلى مراحل المحاسبة أو جبر الضرر.
يشير هذا التأخر في التحرك الميداني إلى فجوة واضحة بين الوعود المعلنة والتطبيق على الأرض، الأمر الذي يكرّس حالة من انعدام الثقة لدى الأهالي، ويدفع بعضهم للتشكيك في نوايا الجهات المعنية، خصوصًا في ظل استمرار غياب الشفافية بشأن مسار التحقيق.
ويحذر مراقبون من أن غياب المساءلة الفعلية في مثل هذه الحالات قد يفتح المجال أمام تكرار الانتهاكات مستقبلاً، ويقوّض فرص الاستقرار المجتمعي في مناطق أنهكتها الصراعات.
وفي ظل عدم صدور أي بيان رسمي عن نتائج التحقيق حتى الآن، تتزايد الدعوات من أطراف حقوقية وإعلامية لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة، يمكن أن تحظى بثقة الأطراف المحلية والدولية، وتساهم في ضمان شفافية الإجراءات وإنصاف المتضررين.
حتى اللحظة، لا يزال أهالي الضحايا بانتظار خطوات عملية تعيد لهم الأمل في الوصول إلى الحقيقة، في وقت تتراكم فيه الأسئلة، وتتراجع الثقة، ويظل الملف مفتوحًا على احتمالات متعددة.