اتفاق حلب: خطوة نحو إعادة هيكلة النفوذ المحلي في سوريا

سامر الخطيب

2025.04.07 - 12:35
Facebook Share
طباعة

 في تطور لافت على الساحة السورية، شهدت مدينة حلب خلال الأيام الماضية اتفاقًا جديدًا بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، تمخض عنه انسحاب تدريجي لقوات "قسد" من حيي الأشرفية والشيخ مقصود، وتسليم المهام الأمنية والإدارية لجهات محلية بالتعاون مع مؤسسات الدولة. هذا الاتفاق، الذي وصفته عدة أطراف بأنه خطوة تمهيدية نحو حلحلة النزاع السوري، يُنظر إليه كمؤشر على احتمالات تغيير أكبر في خارطة النفوذ شمال سوريا.


تسوية محلية بنكهة مركزية ولا مركزية
الاتفاق بين الطرفين، الذي بدأ تنفيذه مطلع نيسان الحالي، يقضي بخروج القوات العسكرية التابعة لـ"قسد"، ومن ضمنها وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، مع إبقاء قوى "الأمن الداخلي" (أسايش) في الحيين، لكن بسلاحها الخفيف، وبإشراف وزارة الداخلية السورية. ويشمل الاتفاق أيضًا إعادة دمج الكوادر المدنية والإدارية في الوزارات الرسمية، مع الحفاظ على إدارة محلية تشاركية في المناطق ذات الغالبية الكردية.


إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، وصفت الاتفاق بأنه "خطوة إيجابية" تساهم في تحسين ظروف المدنيين في حلب. وأضافت في تصريح لوكالة "هاوار" أن هذه التفاهمات يمكن أن تمثل مدخلًا نحو بناء نموذج لسوريا لامركزية، وتشكّل، حسب وصفها، تجربة جديدة ضمن سياق الحل السياسي في البلاد.


أبعاد سياسية وتحديات أمنية
رغم الطابع المحلي للاتفاق، فإن خلفياته وتحولاته تشير إلى أبعاد إقليمية ودولية أعمق. فقد جاء هذا التفاهم نتيجة مفاوضات شاركت فيها أطراف من دمشق وممثلون عن "الإدارة الذاتية"، كما تمت مناقشة ملف مدينة عفرين، الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا، في هذه الاجتماعات، وفق ما أكدت إلهام أحمد.


وشددت أحمد على ضرورة توسيع نطاق الاتفاق ليشمل مناطق أخرى مثل عفرين وتل أبيض ورأس العين، بهدف إنهاء ما وصفته بـ"التغيير الديموغرافي" وتهيئة الأرضية لعودة آمنة للنازحين. بدران جيا كرد، مستشار "الإدارة الذاتية"، أشار بدوره إلى أن الاتفاق في حلب هو جزء أول من خطة أوسع تشمل ملفات عالقة أخرى.


ترتيبات أمنية وإعادة هيكلة إدارية
من الناحية الميدانية، بدأ تنفيذ الاتفاق فعليًا في 4 من نيسان، حين خرج رتل أول يضم نحو 500 مقاتل من "قسد" باتجاه شمال شرقي سوريا، برفقة عناصر من الأمن العام ووزارة الدفاع السورية. كما تم الإفراج عن أكثر من 200 موقوف في عملية تبادل بين الطرفين، في سياق ما وصفته الجهات المنظمة بـ"تبييض السجون".


عبد الكريم ليلة، مدير مديرية الإعلام في حلب، أوضح أن الاتفاق يتضمن دمج الكوادر الخدمية والإدارية التي كانت تدير الحيين ضمن هياكل الدولة، كل حسب اختصاصه. وأضاف أن "أسايش" ستبقى كجهة أمنية محلية، على أن تندمج في وزارة الداخلية وفق اتفاق تنظيمي محدد.


وأكد ليلة أن الإدارة المحلية في الحيين ستظل تشاركية، مع الحفاظ على الطابع المجتمعي الكردي للمنطقتين، ما يعكس رغبة مشتركة في تفادي الفراغ الإداري وتجنب الاحتكاك الأهلي.


شكوك وتساؤلات حول الاستمرارية
رغم التطمينات الرسمية من دمشق و"الإدارة الذاتية"، لم تخلُ العملية من تعقيدات. فقد تأجلت عملية تبادل الموقوفين التي كانت مقررة في 5 من نيسان، من دون إعلان أسباب واضحة، الأمر الذي أثار تكهنات بوجود تباينات أو عراقيل في التطبيق.


ومع ذلك، أكدت مديرية الإعلام في حلب أن الاتفاق ساري المفعول ويتم تنفيذه وفق الجدول الزمني المتفق عليه، محذرة مما أسمته "محاولات التشويش" من قبل أطراف مستفيدة من استمرار التوترات الأمنية.


من حلب إلى عفرين: هل تتكرر التجربة؟
الاتفاق المبرم في حلب لا يُقرأ فقط كتحرك محلي، بل كسيناريو تجريبي قابل للتكرار في مناطق أخرى من البلاد، وخصوصًا في شمال سوريا حيث تتشابك خطوط السيطرة بين "قسد"، الفصائل المدعومة من تركيا. في هذا السياق، تُطرح مدينة عفرين كملف حساس، لما تحمله من رمزية اجتماعية وسياسية بالنسبة إلى "الإدارة الذاتية" والمكون الكردي.


وبحسب مصادر مطلعة، فإن مشاورات متقدمة جرت في دمشق مؤخرًا لمناقشة مستقبل عفرين، وطرحت أفكار تتعلق بتسوية مشابهة لما جرى في حلب، تشمل انسحاب الفصائل، وضمانات أمنية، وإعادة تمثيل مدني من أبناء المدينة.


مستقبل "قسد" ضمن الدولة السورية؟
الاتفاقيات الأخيرة أثارت أيضًا تساؤلات حول مستقبل "قسد" كمؤسسة عسكرية ومدنية ضمن البنية السورية. إحدى البنود الموقعة في اتفاق شباط الماضي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، نص على إدماج مؤسسات "قسد" المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية.


هذا التحول، إن اكتمل، قد يعيد رسم العلاقة بين المركز والأطراف في سوريا، وينقل الصراع من ساحة المواجهة المسلحة إلى ساحات التفاوض المؤسسي، خاصة في ظل الانهاك المتراكم لجميع الأطراف بعد أكثر من عقد من الحرب.


من الناحية التحليلية، يبدو أن اتفاق حلب ليس مجرد خطوة أمنية، بل يمثل تحوّلًا تدريجيًا في استراتيجية التعامل مع ملف الشمال السوري. يتلاقى هذا التحول مع مساعي إعادة تأهيل الدولة المركزية، من دون تجاهل التطلعات المحلية نحو إدارة ذات طابع لامركزي.


في ظل غياب تسوية سياسية شاملة على المستوى الوطني، تبقى هذه التفاهمات الموضعية تجارب مرشحة للتكرار، لكن نجاحها يبقى رهينًا بالتزام جميع الأطراف، وبتوفر ضمانات سياسية وأمنية طويلة الأمد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 9