يختلف عيد الفطر هذا العام في سوريا عن أي عيد مضى، إذ لا تزال آثار الحرب والنزاع واضحة، ومع ذلك يشهد هذا العيد بعض مظاهر الفرح، مع تحضيرات مميزة رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. هذا العيد هو الأول بعد سقوط نظام الأسد وتحرير العديد من المناطق، مما جعل هذا العيد يحمل رمزية خاصة في النفوس.
التحضيرات رغم الظروف الاقتصادية:
على الرغم من التحديات المعيشية التي يعاني منها السوريون، إلا أن مظاهر التحضير للعيد كانت جلية في الأسواق، وخاصة في المناطق الكبرى مثل سوق الحميدية في دمشق، وسوق البزورية وسوق العصرونية وغيرها. وقد أظهرت أسواق دمشق ازدحامًا كبيرًا في الأيام التي سبقت العيد، رغم أن هذا الحراك كان محصورًا في الحد الأدنى من حركة البيع والشراء.
ورغم الظروف الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، أصر العديد من السوريين على الحفاظ على طقوس العيد، وتخصيص بعض المال لشراء مستلزمات العيد، مثل الملابس والحلويات. لكن الوضع الاقتصادي المفروض عليهم دفعهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم المالية، فمع انتهاء شهر رمضان، كانت الأسر السورية قد بدأت التفكير بشكل جدي في كيفية التكيف مع المتطلبات الخاصة بالعيد، مع محاولة الالتزام بميزانيات محدودة.
الأسواق والأسعار:
يشير عبد الرزاق حبزه، أمين سر جمعية حماية المستهلك في دمشق، إلى أن تكلفة كسوة العيد للأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد تتراوح حول 5 ملايين ليرة، وهي تكلفة ثابتة مقارنة بالعام الماضي، رغم الانخفاض العام في الأسعار بنسبة 20%. ولكن، بحسب حبزه، لم تنخفض أسعار الألبسة والحلويات التي تعد من أهم مستلزمات العيد، رغم ما يتم الإعلان عنه من تخفيضات وعروض.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الحلويات بشكل ملحوظ هذا العام، حيث وصل سعر كيلو "النمورة" إلى 100 ألف ليرة سورية، و"المعروك" تراوحت أسعاره بين 3 و 7 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو الشوكولا ما بين 70 ألف و150 ألف ليرة، مما جعل العديد من الأسر تتجنب شراء الحلويات أو تكتفي بالحد الأدنى منها.
البحث عن حلول اقتصادية:
في ظل هذا الواقع، بدأت العديد من الأسر السورية تتوجه إلى أسواق البسطات لتقليل التكاليف، حيث تكون الأسعار أقل، رغم المخاوف المتعلقة بجودة المنتجات. كما لجأت بعض الأسر إلى تقليل كميات الحلويات التي تشترى، بل وبدأت بعض الأسر في تحضير الحلويات في المنزل لتوفير التكاليف. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الجمعيات الخيرية تلعب دورًا مهمًا في دعم بعض الأسر، من خلال مساعدات مالية وعينية.
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الجبالي يرى أن حركة الأسواق في سوريا هذا العام ضعيفة، حيث يشكو معظم البائعين من قلة الحركة الشرائية. وبرغم انفتاح الأسواق وزيادة التنافسية، فإن هذا لم يساهم بشكل كبير في تخفيض الأسعار، لعدم وجود سياسات اقتصادية تدعم المواطن بشكل فعال.
المنحة الرئاسية:
من جهتها، أصدرت الرئاسة السورية منحة مالية لمساعدة الأسر في تحمل أعباء العيد، وتخفيف بعض الضغط المادي عنهم. هذه المنحة قدمت بصيص أمل للكثيرين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة. ورغم أنها تمثل خطوة إيجابية، فإنها لا تُعتبر حلاً دائمًا لمشكلات الاقتصاد السوري.
يشير الجبالي إلى أن هذه المنحة لا يمكن أن تكون أكثر من حل إسعافي مؤقت، فالمواطن السوري لا يزال يعاني من ضعف القدرة الشرائية، وزيادة أسعار المواد الأساسية. من هنا، يُعتبر الحل الجذري يكمن في تحسين الوضع الاقتصادي بشكل مستدام، من خلال زيادة الإنتاج المحلي، وتخفيض الأسعار، وضبط التضخم.
على الرغم من الواقع الاقتصادي الصعب، يظل عيد الفطر في سوريا هذا العام يحمل بين طياته بعض البهجة والفرح، ما يدل على قدرة السوريين على التكيف مع التحديات التي يواجهونها. ومع ذلك، فإن الأمل يبقى في أن تترافق أي خطوات اقتصادية مؤقتة، مثل المنح المالية، مع سياسات شاملة تعالج أزمات السوريين الاقتصادية بشكل مستدام، لكي يكون هناك مستقبل أفضل للأجيال القادمة.