في ظل استمرار حالة التوتر الأمني في جنوب سوريا، تصاعدت في الآونة الأخيرة التوغلات العسكرية الإسرائيلية في ريفي القنيطرة ودرعا، ما يعكس إصرار إسرائيل على انتهاك السيادة السورية وتنفيذ مخططاتها التوسعية تحت ذرائع واهية. هذه العمليات العسكرية الإسرائيلية ليست سوى استمرار لاستراتيجية عدوانية تهدف إلى فرض واقع جديد يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب أمن واستقرار المنطقة.
منذ بداية شهر آذار، نفذت القوات الإسرائيلية سلسلة من العمليات العسكرية التي لم تقتصر على المناطق الحدودية، بل امتدت إلى العمق السوري، مستهدفة قرى ومواقع عسكرية في ريفي درعا والقنيطرة. استخدمت إسرائيل في هذه الهجمات الطائرات المسيرة، الآليات الثقيلة، الدبابات، وعمليات المداهمة المدروسة، ومداهمة منازل المدنيين، واستهداف مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري.
إن هذه العمليات تأتي ضمن سياق الضغط الإسرائيلي المستمر على الدولة السورية لإضعاف بنيتها الدفاعية، ومنع أي محاولات لاستعادة التوازن العسكري في المنطقة.
يلاحظ أن هذه الاعتداءات تركز على استهداف المواقع العسكرية السابقة للقوات السورية وحلفائها، وتعمل على تفريغ المنطقة من أي وجود عسكري قد يشكل تهديدًا مستقبليًا للوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل. إن هذا النهج يعكس طبيعة العقيدة العسكرية الإسرائيلية القائمة على توجيه الضربات الاستباقية، ولو كان ذلك على حساب الأبرياء من المدنيين السوريين الذين تعرضوا لمداهمات واعتقالات تعسفية دون أي مبرر قانوني.
التوغلات العسكرية خلال آذار
في الأول من آذار، اقتحمت القوات الإسرائيلية موقع "سرية الناصرية"، المعروف باسم "سرية أبو ذياب" في ريف القنيطرة الجنوبي، والذي كان سابقاً نقطة مراقبة للقوات الروسية. قامت القوات بعمليات تفتيش دقيقة قبل أن تنسحب بعد ساعات، تاركة خلفها آثار تخريب في الموقع.
في الليلة ذاتها، توغلت قوة إسرائيلية في مفرق عين البيضة المتاخم لقرية أوفانيا شمالي القنيطرة، وبقيت هناك لمدة تجاوزت الساعة والنصف قبل أن تنسحب دون وقوع اشتباكات.
في الرابع من آذار، قامت القوات الإسرائيلية بقطع الطريق الواصل بين بلدة مسحرة في ريف القنيطرة وبلدة الطيحة في ريف درعا الشمالي، مستخدمة آليات ثقيلة، وسط إطلاق نار كثيف. تركزت العملية في تل المال، على الحدود الإدارية بين درعا والقنيطرة، حيث تم تمشيط مواقع كانت تتمركز فيها الميليشيات الإيرانية، وتم تفجير مستودعات ذخيرة داخلها قبل الانسحاب.
في الوقت نفسه، دخلت دورية عسكرية إسرائيلية إلى بلدة رويحنية بريف القنيطرة الأوسط، حيث قامت بإزالة ألغام غير منفجرة، ما أدى إلى سماع دوي انفجارات في المنطقة.
كما شهد اليوم ذاته توغلاً عسكريًا جديدًا في بلدة عين النورية بريف القنيطرة الشمالي، وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء القنيطرة وجنوب سوريا.
في الخامس من آذار، دخلت القوات الإسرائيلية بعدد من الآليات إلى قريتي رسم المنبطح والدواية الكبيرة التابعتين لبلدة سويسة في ريف القنيطرة الجنوبي الغربي. استمر التوغل لساعات قبل انسحاب القوات.
في سياق متصل، شهدت المنطقة تحركًا عسكريًا إسرائيليًا ليليًا نحو أطراف بلدة أم باطنة في ريف القنيطرة الأوسط، حيث دخلت سبع آليات عسكرية إلى قرية مجدوليا ومستشفى البلدة الغربية في نبع الصخر، وسط تحليق مكثف للطائرات المسيرة الإسرائيلية، ما أثار قلق السكان.
تأتي هذه العمليات في سياق استهداف مواقع عسكرية ومخازن أسلحة تابعة للميليشيات المدعومة من إيران، ضمن استراتيجية إسرائيلية واضحة لمنع أي عودة أو وجود عسكري لطهران في المنطقة.
في اليوم ذاته، توغلت قوة إسرائيلية في بلدة بئر عجم بريف القنيطرة على الحدود مع الجولان السوري المحتل، مدعومة بآليات عسكرية وأسلحة ثقيلة، استمرارًا لعمليات التوغل في الأراضي السورية.
في السادس من آذار، أقامت القوات الإسرائيلية حاجزاً عسكرياً في قرية رويحينة بريف القنيطرة، حيث انتشرت أربع آليات عسكرية برفقة عدد من عناصر المشاة. وشهد الحاجز عمليات تفتيش دقيقة للمركبات وتدقيق في هويات المارة، إضافة إلى استجواب بعض المواطنين، ما تسبب في حالة من التوتر في المنطقة.
في اليوم ذاته، توغلت قوة إسرائيلية في الطريق الواصل بين بلدتي جباتا الخشب وأوفانيا في ريف القنيطرة الشمالي، وتمركزت في نقطة على الطريق ونصبت حاجزًا أمنيًا في المنطقة.
في الثامن من آذار، اقتحمت قوات إسرائيلية مدعومة بآليات وجنود بلدة جملة في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، ونفذت عملية مداهمة لعدد من المنازل وسط تحركات عسكرية مفاجئة في المنطقة.
ورداً على ذلك، شهدت مساجد مدينة طفس بريف درعا دعوات للتعبئة والاستنفار، مع تجمع واسع للمقاتلين في المدينة استعداداً لأي تصعيد محتمل بعد اقتحام القوات الإسرائيلية لبلدة جملة. كما شهدت مناطق أخرى في ريف درعا الغربي حالة استنفار فوري تزامنًا مع أي تحركات عسكرية إسرائيلية.
في اليوم ذاته، شهدت مناطق في ريف درعا الغربي وريف القنيطرة الأوسط سلسلة توغلات إسرائيلية. ففي قرية جملة بمنطقة حوض اليرموك، اقتحمت قوة إسرائيلية المنطقة للمرة الثانية خلال 24 ساعة، حيث يُرجح أنها نفذت عمليات تفتيش عن أسلحة. كما توغلت قوات أخرى داخل قرية صيصون ودخلت السرية العسكرية السابقة هناك.
في ريف القنيطرة الأوسط، توغلت قوة إسرائيلية في قرية رسم الحلبي، مستهدفة السرية العسكرية السابقة بعمليات تجريف قبل أن تغادر الموقع مباشرة.
في الحادي عشر من آذار، توغلت قوة إسرائيلية بعدد من الآليات داخل قرية الحانوت التابعة لصيدا الجولان بريف القنيطرة الجنوبي، وتجولت في المنطقة قبل أن تنسحب بعد ساعات.
في الثاني عشر من آذار، صعّدت القوات الإسرائيلية من تحركاتها في ريف القنيطرة، حيث أطلقت نيرانها بكثافة من نقطة تمركزها في التل الأحمر الغربي باتجاه الشرق. كما اعتقلت القوات الإسرائيلية شاباً من قرية كودنا – مزرعة الفتيان قبل ساعة من موعد الإفطار واقتادته إلى جهة مجهولة، وسط تصاعد المخاوف من استمرار عمليات الاعتقال.
في الثالث عشر من آذار، نفّذت القوات الإسرائيلية توغلاً عسكريًا في ريف القنيطرة، حيث دخلت دبابات وآليات عبر الحدود، مستهدفة مواقع عسكرية على طريق دمشق – عين النورية. وشهدت العملية تفجيرات داخل سرية الصقري، إضافة إلى استهداف مواقع تابعة للواء 90، ما أدى إلى دوي انفجارات قوية في المنطقة. بعد عدة ساعات، انسحبت القوات الإسرائيلية وسط استنفار في المنطقة.
في الرابع عشر من آذار، نفذت القوات الإسرائيلية عملية توغل مفاجئة داخل بلدة جباتا الخشب، حيث داهمت عددًا من المنازل بذريعة البحث عن أسلحة، مما أثار حالة من الخوف والتوتر بين السكان.
في السادس عشر من آذار، نفّذت القوات الإسرائيلية توغلًا جديدًا في قرية جباتا الخشب، حيث اقتحمت منزلًا على طريق الحرش من الجهة الشمالية الشرقية وسط استنفار أمني في المنطقة. كما دخلت دورية تابعة للقوات الإسرائيلية إلى قرية رويحينة وقامت بتفتيش عدد من المواطنين قبل أن تنسحب بعد ساعات.
في السابع عشر من آذار، توغلت دورية عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية في قرية زبيدة بريف القنيطرة الأوسط، متجهة نحو قرية مجدوليا، حيث استمر التوغل لمدة نصف ساعة قبل أن تعود القوات إلى مواقعها.
في التاسع عشر من آذار، توغلت قوة مشاة إسرائيلية في الطرف الجنوبي من قرية معرية في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، دون معرفة أسباب التوغل ومدته. كما شهد ريف القنيطرة الجنوبي توغلًا إسرائيليًا مفاجئًا بالدبابات والجرافات العسكرية انطلاقًا من غربي قرية العشة، حيث تقدم الرتل باتجاه بلدة الرفيد، مرورًا بالحيران والأصبح وصولًا إلى محيط تل المهير. وانسحبت القوات الإسرائيلية بعد ساعات من توغلها، برتل عسكري مكون من 50 آلية في سريتي أبو ذياب والكوبرا ببلدة الناصرية عند الحدود الإدارية بين درعا والقنيطرة.
إسرائيل.. العدو الذي لا يحترم القوانين الدولية
هذه التوغلات المتكررة ليست سوى دليل إضافي على أن إسرائيل لا تأبه بالقوانين الدولية، ولا بالسيادة السورية، بل تواصل عملياتها الاستفزازية غير آبهة بأي ردود فعل دولية. في ظل صمت عالمي مشين، تستمر إسرائيل في استخدام القوة المفرطة، غير عابئة بقرارات مجلس الأمن التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ما المطلوب؟
إن استمرار هذه العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا يستدعي موقفًا صارمًا من المجتمع الدولي، الذي يكتفي بإصدار بيانات الشجب والاستنكار دون أي تحرك فعلي. يجب أن يكون هناك تحرك جدي لردع هذه الانتهاكات المستمرة، سواء عبر تفعيل القرارات الأممية أو من خلال تعزيز قدرات الدفاع الجوي السوري لردع أي عدوان مستقبلي.
إسرائيل تحاول فرض أمر واقع جديد بالقوة، ولكن على القوى الفاعلة في المنطقة أن تدرك أن الصمت لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاعتداءات. الدفاع عن السيادة السورية ليس مجرد خيار، بل هو واجب وطني لحماية الأرض والشعب من الاحتلال والعدوان المستمر.