يرى محللون أن الإعلان عن الاتفاق الذي يقضي بدمج "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، هو تطور يُنظر إليه على أنه قد يعيد رسم ملامح الاقتصاد السوري بعد أكثر من عقد من التحديات والانقسامات. هذا الاتفاق، الذي طال انتظاره، يثير تساؤلات حول مدى تأثيره على موارد البلاد، بدءًا من النفط والغاز، وصولًا إلى الأمن الغذائي والاستثمار وإعادة الإعمار.
النفط والغاز: عودة الشريان الحيوي إلى الدولة
لطالما شكّلت حقول النفط والغاز في شمال شرق سوريا محورًا أساسيًا في معادلة الاقتصاد الوطني، حيث تُقدّر احتياطيات هذه المناطق بنحو 75% من إجمالي إنتاج سوريا قبل عام 2011. في ظل سيطرة "قسد" على هذه الموارد خلال السنوات الماضية، اضطرّت الحكومة السورية إلى الاعتماد على طرق التفافية للحصول على النفط، سواء عبر الاستيراد أو صفقات غير رسمية، ما أرهق الاقتصاد وأدى إلى أزمات وقود متكررة.
مع تنفيذ الاتفاق، يتوقع خبراء أن تبدأ عملية نقل النفط الخام مباشرة إلى المصافي الحكومية، ما قد يسهم في تحسين إمدادات الوقود والكهرباء، وتقليل التكاليف التشغيلية، وبالتالي تخفيف الضغوط الاقتصادية على المواطنين. كما أن دمج قطاع الطاقة في الشمال الشرقي مع بقية الاقتصاد السوري قد يفتح المجال أمام استثمارات جديدة في البنية التحتية النفطية، بما في ذلك تطوير المصافي وأنظمة التوزيع، مما قد يساعد في تحقيق استقرار طويل الأمد في هذا القطاع الحيوي.
الزراعة والأمن الغذائي: هل تنتهي أزمة القمح؟
إلى جانب الموارد النفطية، تعدّ مناطق شمال وشرق سوريا المصدر الأساسي لإنتاج القمح في البلاد، وهو ما جعل هذه المناطق بمثابة ورقة ضغط على الحكومة المركزية خلال السنوات الماضية. ورغم المحاولات السابقة للوصول إلى تفاهمات بشأن تصدير القمح من هذه المناطق إلى بقية أنحاء سوريا، إلا أن التوترات السياسية حالت دون تحقيق استقرار في هذا المجال.
دمج المؤسسات المدنية والاقتصادية ضمن الدولة قد يسمح بتوجيه إنتاج القمح والمحاصيل الاستراتيجية الأخرى نحو السوق المحلية، ما قد يسهم في خفض أسعار المواد الغذائية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحقيق قدر من الأمن الغذائي، خاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية على السوريين نتيجة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
الانعكاسات المالية والاستثمارية
من الناحية المالية، يُتوقع أن يساهم هذا الاتفاق في توحيد النظام المالي بين مناطق الإدارة الذاتية وبقية سوريا، مما قد يخلق تدفقًا أكثر استقرارًا للعملة داخل السوق السورية. كما أن هذا الاتفاق قد يمنح الحكومة المركزية قدرة أكبر على إدارة الكتلة النقدية في البلاد، مما يسهم في تقليل تقلبات سعر الصرف وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
فيما يتعلق بالاستثمار، قد يشكل الاتفاق خطوة نحو تحسين مناخ الأعمال، خاصة إذا ترافق مع إصلاحات اقتصادية وتشريعية تتيح للمستثمرين العمل في بيئة أكثر استقرارًا. فمناطق شمال وشرق سوريا تمتلك إمكانيات كبيرة في مجالات الزراعة والتعدين والتجارة، ويمكن أن تصبح وجهة استثمارية مهمة إذا تم توفير البنية القانونية والإدارية المناسبة.
التحديات والعقبات أمام التنفيذ
رغم التوقعات الإيجابية، يواجه الاتفاق تحديات كبيرة، أبرزها:
- التنفيذ العملي: تحويل الاتفاق من نصوص سياسية إلى إجراءات ملموسة على الأرض يتطلب تنسيقًا عاليًا بين الأطراف المختلفة، وتجاوز عقبات البيروقراطية والاختلافات الإدارية.
- الملف الأمني: لا تزال هناك مخاوف من إمكانية حدوث توترات أو مقاومة داخل بعض الأوساط في "قسد"، خاصة في ظل الضغوط الخارجية والداخلية على قياداتها.
- العقوبات الاقتصادية: لا تزال سوريا تخضع لعقوبات دولية صارمة، مما قد يحدّ من قدرة الحكومة على الاستفادة الكاملة من هذا الاتفاق اقتصاديًا، ما لم يتم اتخاذ خطوات على المستوى الدبلوماسي لتخفيف هذه القيود.
هل يكون الاتفاق مقدمة لإعادة الإعمار؟
مع استعادة السيطرة على الموارد الاقتصادية الحيوية، قد تتمكن سوريا من الشروع في عملية إعادة إعمار أكثر استدامة، خاصة في قطاعات البنية التحتية والكهرباء والنقل. كما أن نجاح هذا الاتفاق قد يعزز من فرص عودة بعض المستثمرين واللاجئين السوريين، مما قد يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد من جديد.
لا شك أن اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة يمثل تحولًا استراتيجيًا قد يحمل تأثيرات واسعة على الاقتصاد السوري، إلا أن نجاحه يعتمد على قدرة الأطراف المختلفة على تجاوز الخلافات السياسية، وضمان تنفيذ الاتفاق بشكل فعّال. في حال تحقق ذلك، فقد نشهد بداية جديدة لمرحلة من التعافي الاقتصادي، تفتح الباب أمام استقرار أكبر وفرص تنموية أوسع للبلاد.