بعد مرور مائة يوم على هروب بشار الأسد وانهيار المنظومة الأمنية والعسكرية التابعة له، تعيش سوريا مرحلة دقيقة من تاريخها، حيث تواجه القوات الجديدة التي سيطرت على البلاد تحديات غير مسبوقة على المستويين الأمني والاقتصادي. فقد أدى انهيار الدولة المركزية إلى حالة من الفوضى استفاد منها بعض الأفراد والجماعات للاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة، بينما تفاقمت أعمال العنف والجرائم.
مع غياب المؤسسات الأمنية المركزية، باتت العديد من المناطق السورية تشهد تصاعدًا في أعمال العنف، من اغتيالات تستهدف شخصيات سياسية وأمنية، إلى عمليات قتل على أساس الهوية والانتماء للنظام السابق. هذا الفراغ الأمني لم يقتصر على مناطق معينة، بل شمل مختلف أنحاء البلاد، مما زاد من تعقيد المشهد السوري وأضعف فرص بناء نظام جديد قادر على تحقيق الأمن والاستقرار.
وفقًا لما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد القتلى خلال هذه الفترة 6316 شخصًا، بينهم 4711 مدنيًا، توزعوا بين الرجال والنساء والأطفال. الأرقام تعكس مدى تفشي العنف والقتل في سوريا، وتؤكد على هشاشة الوضع الأمني واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
أحد أخطر تداعيات سقوط النظام هو تصاعد أعمال العنف الطائفية، حيث وثق المرصد السوري 1805 حالة إعدام ميداني على أساس الهوية والانتماء السياسي. وكانت هذه العمليات أكثر حدة خلال شهر آذار، حيث استُهدفت مجموعات معينة بشكل متعمد، مما يزيد من حدة الانقسامات داخل المجتمع السوري. تصاعد عمليات القتل الطائفي يهدد بتحويل الصراع السوري من صراع سياسي إلى صراع اجتماعي طويل الأمد، مما يعيق أي جهود لتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية.
إضافة إلى القتل على الهوية، شهدت بعض المناطق عمليات إبادة جماعية ومجازر وحشية تستهدف المدنيين العزل. وشملت هذه الجرائم أساليب مختلفة مثل التعذيب الوحشي، والقتل الجماعي، وقطع الطرق لمنع الهاربين من الوصول إلى مناطق آمنة.
لضمان عدم تكرار هذه الفظائع، يؤكد حقوقيون على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية وتقديم الجناة إلى المحاكمة، وتعويض الضحايا وأسرهم، وتوثيق الجرائم لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب. كما أن إعادة بناء مؤسسات أمنية مستقلة قادرة على حفظ الأمن دون تحيز يعد ضرورة قصوى. لا يمكن تجاهل أهمية نبذ الطائفية والتطرف عبر إطلاق حملات توعية لتعزيز المواطنة، ونبذ الانقسامات الطائفية التي تهدد استقرار البلاد.