تحليل تركي للاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية

رزان الحاج

2025.03.18 - 01:28
Facebook Share
طباعة

 شهدت الساحة السورية تطورًا جديدًا مع توقيع اتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاتفاق يمثل خطوة نحو إنهاء وجود "بي واي دي" أم أنه يمهد لإقامة نظام حكم ذاتي في سوريا. وقد أثار هذا التطور اهتمام العديد من الجهات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها تركيا، التي تتابع تنفيذه عن كثب لضمان تحقيق أهدافها الأمنية دون اللجوء إلى تصعيد عسكري.


أبدت أنقرة حذرًا واضحًا تجاه الاتفاق، حيث تؤكد أن القضاء على تهديدات "بي كي كي/قسد" يعد هدفًا استراتيجيًا لها. ومع ذلك، فإن تركيا تفضل في هذه المرحلة الحلول الدبلوماسية، حيث أبدى وزير الخارجية التركي استعداد بلاده لدعم الحكومة السورية في تنفيذ هذا الاتفاق، شرط ألا يتسبب ذلك في الإضرار بالمكون الكردي المدني في المنطقة.


أسباب قبول "قسد" بالمفاوضات
جاءت موافقة "قسد" على الجلوس إلى طاولة المفاوضات نتيجة لضغوط متعددة، بحسب الاعلام التركي منها:
- مؤشرات على انسحاب أمريكي وشيك من سوريا، مما دفع "قسد" للبحث عن خيارات بديلة.
- تقليص الدعم العسكري الأمريكي، حيث تم سحب بعض الأسلحة التي زودت بها "قسد" سابقًا.
- تغير مواقف بعض الدول الأوروبية، التي بدأت تدعم الحكومة السورية بشكل أكبر.
- تعاظم الدعم العربي والإقليمي لدمشق، بما في ذلك تقديم مساعدات مالية وعسكرية.
- تزايد الضغوط من الدول المجاورة لسوريا، مثل تركيا والعراق ولبنان، التي تسعى لإنهاء الوجود المسلح غير النظامي على حدودها.
- دعوة "إمرالي" إلى إلقاء السلاح، مما شكل ضغوطًا إضافية على "قسد".


مطالب "قسد" وشروطها
في إطار المفاوضات، قدمت "قسد" عدة مطالب، أبرزها:
- إقامة نظام فيدرالي لا مركزي يضمن لها نوعًا من الحكم الذاتي.
- الحصول على ضمانات دولية، مثل إنشاء منطقة منزوعة السلاح تحت حماية أمريكية أو فرنسية.
- رفض تسليم معسكرات "داعش" للحكومة السورية، مع الاحتفاظ بسلطة إدارية عليها.
- تقاسم عائدات النفط والموارد الطبيعية مع الحكومة السورية.
- الانضمام إلى الجيش السوري ككتلة موحدة، مع منحها فترة انتقالية مدتها عامان لتنفيذ الاندماج التدريجي.


التداعيات والنتائج المتوقعة
يمكن تلخيص نتائج هذا الاتفاق في عدة نقاط:
- إنهاء مشروع "الممر الإرهابي": تضمن الاتفاق اعتراف "قسد" بوحدة الأراضي السورية، مما ينهي مشروع الانفصال الذي سعت إليه بعض القوى الكردية في السابق.

- دور تركيا في متابعة التنفيذ: ستحرص أنقرة على مراقبة تنفيذ الاتفاق، حيث تم تحديد مهلة تسعة أشهر لدمج "قسد" ضمن الدولة السورية.

- تحجيم القدرات العسكرية لـ "قسد": وفقًا للاتفاق، لن تتمكن "قسد" من استخدام أسلحتها ضد تركيا، وأي خرق لذلك قد يؤدي إلى تصعيد جديد.

- تسريع الانسحاب الأمريكي: يأتي الاتفاق في وقت تتجه فيه الولايات المتحدة إلى تقليص وجودها العسكري في سوريا، مما يدفع الأطراف المحلية إلى إيجاد ترتيبات جديدة لضمان أمنها.

- مستقبل "قسد" بعد انتهاء المهلة: في حال عدم اندماج "قسد" في الجيش السوري بحلول نهاية العام، فقد تجد نفسها أمام خيارات صعبة، إما التكيف مع الواقع الجديد أو مواجهة عزلة سياسية وعسكرية.


التطورات المحتملة بعد عيد الفطر
بعد تنفيذ الاتفاق، لم يطرأ تغيير فوري على وجود القوات التركية في سوريا. ومع ذلك، يُتوقع تكثيف المشاورات العسكرية بين أنقرة ودمشق خلال الأشهر المقبلة، بالإضافة إلى مناورات عسكرية مشتركة لتعزيز قدرات الجيش السوري. كما قد تشهد المرحلة المقبلة تحركات بشأن إعادة ضريح سليمان شاه إلى موقعه السابق، وهو ملف يحمل أبعادًا رمزية وسياسية هامة لتركيا.


يبقى تنفيذ الاتفاق محل ترقب، حيث ستعتمد نجاحه على مدى التزام "قسد" بالشروط الموضوعة، وكذلك على قدرة الحكومة السورية على استيعابها في المنظومة الأمنية والسياسية. في الوقت ذاته، ستواصل تركيا مراقبة الوضع عن كثب، مع إبقاء جميع الخيارات مفتوحة لضمان أمنها القومي. ومع استمرار التغيرات في المشهد الإقليمي، سيكون للاتفاق تأثير بعيد المدى على مستقبل سوريا والمنطقة بأكملها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3