التحولات في السياسة الأمريكية تجاه سوريا: المسيحيون في قلب الجدل السياسي

وكالة أنباء آسيا

2025.03.18 - 12:32
Facebook Share
طباعة

 أثارت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس حول أوضاع المسيحيين في سوريا وتخوفه من مصيرهم في ظل التغيرات السياسية الأخيرة جدلًا واسعًا في الأوساط الأمريكية، فبينما لم تحظَ سوريا بأولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، إلا أن حديث فانس أوحى بإمكانية تغيير في النهج الأمريكي تجاه هذا الملف.


في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، أعرب فانس عن قلقه العميق إزاء الوضع المتدهور في سوريا، متسائلًا عما إذا كانت الأحداث الأخيرة مجرد حوادث معزولة أو أنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية، وأكد أن هناك "إجراءات دبلوماسية واقتصادية" يمكن للولايات المتحدة اتخاذها لحماية الأقليات، مشيرًا إلى أهمية منع تكرار السيناريوهات التي شهدتها مجتمعات مسيحية أخرى في الشرق الأوسط.


وجاءت هذه التصريحات بعد إدانة إدارة ترامب لما وصفته بجرائم ترتكبها "جماعات إرهابية إسلامية"، بما في ذلك مقاتلون أجانب في مناطق غربي سوريا، مع تأكيدها دعم الأقليات الدينية والعرقية، مثل المسيحيين والدروز والعلويين والأكراد.


بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أرسلت إدارة الرئيس السابق جو بايدن وفدًا دبلوماسيًا إلى سوريا لاستكشاف طبيعة النظام الجديد، غير أن إدارة ترامب لم تتابع هذا النهج، وركزت على قضايا أخرى مثل الحرب في أوكرانيا والتصعيد في غزة.


ويشير البروفيسور ستيفن هايدمان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إلى أن فريق الأمن القومي التابع لترامب لم يحدد بعد موقفه الواضح من الملف السوري، في حين لا تزال العديد من المناصب العليا في وزارة الخارجية شاغرة، مما أدى إلى استمرار السياسات السابقة خلال الأشهر الأولى من الإدارة الجديدة.


أما السفير الأمريكي السابق لسوريا، فريدريك هوف، فقد أكد أن غياب التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في سوريا يجعل من الصعب التأثير على قرارات النظام السوري الجديد، معتبرًا أن هذا يعكس توجّه إدارة ترامب لإعطاء مزيد من الدور لإسرائيل وتركيا في تحديد مسار سوريا ما بعد الأسد.


وأعرب بعض الخبراء الأمريكيين عن مخاوفهم من أن الدستور السوري المؤقت الجديد يمنح صلاحيات واسعة للرئيس المؤقت أحمد الشرع دون ضمانات كافية لحماية الأقليات، وعبّرت واشنطن عن قلقها إزاء وضع الأكراد في الشمال الشرقي والمسيحيين في المناطق الأخرى.


ورحبت الخارجية الأمريكية بالاتفاق الأخير بين السلطات السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية، معتبرة أنه خطوة نحو "حكم موثوق وغير طائفي" يساعد في تجنّب المزيد من النزاعات.


لكن ستيفن هايدمان يرى أن تصريحات فانس حول الأقليات قد تكون ذات بُعد سياسي أكثر من كونها تعبيرًا عن قلق إنساني، مشيرًا إلى أن التيار الإنجيلي في الحزب الجمهوري لطالما استخدم قضية حماية الأقليات الدينية كمبرر لتدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.


تعكس التصريحات الأخيرة لفانس نقلة نوعية محتملة في الخطاب السياسي الأمريكي تجاه سوريا، لكنها لا تشير بالضرورة إلى تحول فعلي في السياسة الخارجية، فمنذ بداية حكم ترامب، كان نهجه يعتمد على تقليل التورط الأمريكي المباشر في النزاعات الخارجية، مع الاعتماد على الحلفاء الإقليميين لضبط التوازنات المحلية.


ورغم أن حماية الأقليات المسيحية تُستخدم كأداة سياسية داخل الولايات المتحدة لاستمالة القاعدة الإنجيلية، إلا أن التدخل الأمريكي في سوريا سيظل محكومًا بعوامل أخرى، مثل المصالح الاستراتيجية في مواجهة روسيا وإيران، واستقرار المنطقة بما يضمن حماية إسرائيل. لذا، من المرجح أن يقتصر دور واشنطن على الدعم الدبلوماسي والاقتصادي دون تدخل عسكري مباشر، إلا في حال حدوث تصعيد غير متوقع.


تظل السياسة الأمريكية تجاه سوريا غير واضحة في ظل إدارة ترامب الجديدة، مع وجود مؤشرات على أن قضية حماية الأقليات، ولا سيما المسيحيين، قد تُستخدم كورقة ضغط سياسي أكثر من كونها دافعًا لتغيير جوهري في النهج الأمريكي. وبينما لا يزال مصير القوات الأمريكية في سوريا معلقًا، يبدو أن واشنطن تفضّل حاليًا الاعتماد على الحلفاء الإقليميين في إدارة هذا الملف.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10