زيارة رجال دين دروز إلى الأراضي المحتلة: خطوة تطبيعية أم تهديد للهوية الوطنية؟

رزان الحاج

2025.03.15 - 11:47
Facebook Share
طباعة

 في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل المجتمع السوري، عبر وفد يضم نحو ستين رجل دين درزي خط الهدنة في مرتفعات الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل، في 14 مارس/آذار 2025، وذلك لأول مرة منذ قرابة نصف قرن. هذه الزيارة التي قيل إنها دينية بحتة، حملت في طياتها أبعادًا سياسية خطيرة، خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة، والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الفلسطينيون والسوريون على حد سواء.


تفاصيل الزيارة والاصطفاف الإسرائيلي
تحرك الوفد على متن ثلاث حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية، باتجاه بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، ومنها إلى مقام النبي شعيب في بلدة جولس القريبة من طبريا، ووفق مصادر مقربة، التقى الوفد الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في "إسرائيل"، الشيخ موفق طريف، الذي نظم الزيارة.


المشهد في مجدل شمس كان لافتًا؛ حيث استقبل عدد من الدروز الوفد بالتصفيق والأهازيج التراثية، ولوّح البعض بالأعلام الدرزية. في المقابل، عبّر العديد من السوريين داخل الوطن وخارجه عن رفضهم لهذه الزيارة التي رأوا فيها شرعنة للاحتلال الإسرائيلي، وتهديدًا لهوية الجولان السوري العربي.


معارضة داخلية وانتقادات واسعة
مصادر درزية في سوريا أكدت أن الزيارة قوبلت بمعارضة شديدة داخل الطائفة، حيث رأى كثيرون أن هذه الخطوة لا تمثلهم، بل تشكل خرقًا للموقف الوطني الرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه معاناة السوريين، خاصة في الجنوب، حيث لا تزال إسرائيل تحتل أجزاء من الأراضي السورية.


التصريحات الإسرائيلية الأخيرة تزيد من الشكوك حول نوايا تل أبيب تجاه الدروز السوريين، ففي وقت سابق من الشهر الجاري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن "إسرائيل سترد على أي تهديد يمس الدروز في سوريا"، وهي تصريحات اعتُبرت تدخلاً سافرًا في الشأن السوري، ومحاولة لخلق انقسامات داخل المجتمع الدرزي.


خطورة الزيارة في السياق السوري والفلسطيني
تأتي هذه الزيارة في وقت تشن فيه إسرائيل عدوانًا مستمرًا على قطاع غزة، حيث يُقتل المدنيون وتُدمر البنية التحتية. وفي ظل هذه الجرائم، يرى كثيرون أن زيارة رجال دين دروز من سوريا إلى إسرائيل تعد بمثابة مكافأة سياسية للاحتلال، وتشكل إساءة لنضالات الشعوب التي تكافح ضد سياسات التهجير والاستيطان.


كما تتزامن الزيارة مع تغييرات سياسية كبرى داخل سوريا، حيث تجري محادثات لدمج الفصائل الدرزية المسلحة ضمن وزارة الدفاع السورية، ما يعكس رغبة القيادة الجديدة في إعادة ترتيب البيت الداخلي، بعيدًا عن التدخلات الخارجية. لذلك، ينظر البعض إلى هذه الزيارة باعتبارها خطوة إسرائيلية لإضعاف هذه الجهود، واستمالة الدروز في الجنوب السوري نحو أجندات تل أبيب.


موقف مشيخة العقل في لبنان وتحذيراتها
في لبنان، أصدرت مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز بيانًا تحذر فيه من مخاطر المشاركة في زيارات إلى الأراضي المحتلة، مشددة على أنها لن توفر الغطاء الديني لمن يقوم بذلك. كما أكدت على ضرورة احترام القوانين اللبنانية، التي تجرّم التعامل مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال.


بين الدين والسياسة، أي مستقبل للدروز؟
ما بين التبرير الديني والمآرب السياسية، تبقى هذه الزيارة نقطة تحول خطيرة، قد تكون لها تداعيات على الطائفة الدرزية داخل سوريا وخارجها. فهل تسعى إسرائيل إلى استغلال الدروز السوريين لخلق كيان منفصل يخدم مصالحها؟ أم أن هذه الزيارة مجرد محطة عابرة لن تغير من واقع الرفض الشعبي السوري لكل أشكال التطبيع؟


ما هو مؤكد أن الشعب السوري، الذي تحمل لعقود انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، يرى في هذه الخطوة شرخًا في الموقف الوطني، وإساءة لكل من ضحّى من أجل تحرير الجولان وبقاء سوريا موحدة. ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الزيارة بداية لمحاولات إسرائيلية أوسع لفرض وقائع جديدة في الجنوب السوري؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 5