السويداء.. صراع السلطة والفصائل والرهانات الدولية

رزان الحاج

2025.03.09 - 10:53
Facebook Share
طباعة

 في الآونة الأخيرة، برزت محافظة السويداء السورية كساحة مشتعلة للصراع بين الفصائل المسلحة المحلية والقيادات الروحية الدرزية من جهة، وبين حكومة دمشق من جهة أخرى، فما الذي يجري في هذه المحافظة ذات الأغلبية الدرزية؟ وكيف تحولت إلى بؤرة ساخنة في المشهد السوري؟


جذور الأزمة: من الاحتجاج إلى التسلح
لطالما تميزت السويداء بخصوصية سياسية وأمنية مختلفة عن باقي المحافظات السورية، حيث اتخذ الحراك الشعبي فيها في البداية طابعًا احتجاجيًا سلميًا، سرعان ما تطور إلى تشكيل فصائل مسلحة رفضًا لتجنيد أبنائها في الحرب السورية. مع مرور الوقت، انقسم المشهد بين فصائل معارضة للنظام، وأخرى موالية مدعومة من الأفرع الأمنية والإيرانيين.


في عام 2013، تأسست "حركة رجال الكرامة" بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، الذي كان يعارض تجنيد الدروز في الجيش السوري. لكن سرعان ما تحول هذا الفصيل إلى قوة مسلحة تحمي أبناء المحافظة من الاعتقالات، قبل أن يتعرض البلعوس للاغتيال في 2015، مما أدى إلى انقسامات داخل الحركة.


لاحقًا، ظهرت فصائل أخرى مثل "شيخ الكرامة" و"أحرار جبل العرب"، والتي تبنت مواقف أكثر عدائية تجاه النظام، كما خاضت معارك ضد مجموعات موالية له تعمل في تجارة المخدرات والخطف.


السويداء بين مطرقة النظام وسندان الفصائل

لم يكن النظام السوري مكتوف الأيدي أمام هذا الواقع الأمني المتفجر، فدعم تشكيل مجموعات مسلحة موالية له، من بينها "حركة قوات الفجر" و"قوات الفهد"، إلى جانب "الدفاع الوطني" و"كتائب البعث"، وذلك بهدف استعادة السيطرة على المحافظة. لكن المواجهات بين الطرفين تصاعدت، وشهد عام 2022 انتكاسات كبيرة للمليشيات الموالية لدمشق على يد فصائل المعارضة المحلية.


تحالفات جديدة وصدامات متجددة
مع تصاعد الأوضاع، أعلنت فصائل السويداء في ديسمبر 2024 عن تشكيل "غرفة عمليات الجنوب" بالتنسيق مع فصائل درعا والقنيطرة، بهدف تحرير الجنوب السوري من سيطرة الحكومة حينها. وبعد سقوط النظام السوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، بدأت الأخيرة بالتواصل مع القيادات الروحية في السويداء، وسط مطالبات الدرزيين بالحفاظ على خصوصيتهم وإدارة شؤونهم ذاتيًا.


إلا أن تصريحات قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، حول ضرورة حل الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها، قوبلت برفض قاطع من قبل الشيخ حكمت الهجري، الذي اشترط تشكيل دستور جديد يضمن حقوق الدروز قبل أي خطوة من هذا النوع.


التدخل الإسرائيلي وتأجيج الأزمة
و دخلت إسرائيل على خط الأزمة، حيث حذر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الإدارة السورية الجديدة وطالب بجعل جنوب سوريا منطقة "منزوعة السلاح"، كما أعلنت تل أبيب عن استعدادها لحماية الدروز، وهو ما اعتبره كثيرون محاولة لاستغلال التوترات الداخلية.


إلى جانب ذلك، ظهرت مجموعة مسلحة جديدة تطالب بحكم ذاتي في السويداء، رجحت بعض التقارير أنها تتألف من ضباط وجنود سابقين في الجيش السوري كانوا على رأس عملهم حتى سقوط النظام. هذا التشكيل العسكري الجديد أثار مخاوف من تحركات إسرائيلية لإعادة رسم خارطة النفوذ في الجنوب السوري.


رفض شعبي واسع وتوتر داخلي
في رد فعل شعبي قوي، شهدت محافظة السويداء مظاهرات حاشدة ضد التدخل الإسرائيلي، بمشاركة نقابات ومؤسسات مدنية وأهلية، كما أدانت شخصيات درزية بارزة داخل سوريا ولبنان هذه التدخلات، محذرة من الانجرار وراء المشاريع الإسرائيلية.


لكن التطورات لم تتوقف عند هذا الحد، ففي جرمانا، ذات الأغلبية الدرزية، شهدت البلدة حادثة أمنية كادت أن تشعل صراعًا داخليًا، بعد مقتل عنصر من الأمن العام برصاص أحد حواجز "درع جرمانا"، وهو ما استغلته إسرائيل لتبرير تصريحاتها حول "حماية الدروز".


لاحقًا، قام مجهولون برفع علم إسرائيل في إحدى ساحات السويداء، قبل أن يبادر السكان إلى إنزاله وإحراقه، مما عكس رفضًا شعبيًا لأي تدخل خارجي في شؤون المحافظة.


انقسامات داخلية وضغوط متزايدة
لم تقتصر الأزمة على التوتر الأمني، بل امتدت إلى خلافات داخل البيت الدرزي نفسه، إذ انتقد مثقفون وناشطون دروز موقف الشيخ حكمت الهجري، معتبرين أنه يتبع "سياسات غير واضحة" قد تجر المحافظة إلى فوضى خطيرة، كما حذر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط من "المكائد الإسرائيلية"، مشددًا على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا.


إلى أين تتجه السويداء؟
مع احتدام الصراع، تجد السويداء نفسها أمام خيار مصيري لا يحتمل التأجيل، فالرهان على استمرار التوتر والمراوحة في المكان قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، خصوصًا من قبل إسرائيل التي تسعى لاستغلال الأزمة لمصلحتها، سواء عبر دعم مجموعات انفصالية أو تأجيج الخلافات الداخلية.


أمام هذا الواقع، لم يعد أمام القيادات السياسية والروحية في السويداء سوى البحث عن حل سريع يضمن استقرار المحافظة من خلال التوصل إلى تفاهم واضح مع حكومة دمشق الجديدة، على أن يكون ذلك بضمانات حقيقية تحمي خصوصية المحافظة وتكفل حقوق أبنائها، فإن تأخير هذه الخطوة قد يسمح لإسرائيل بالتغلغل أكثر، مما قد يهدد مستقبل السويداء وسوريا بأكملها.


لذا، فإن وحدة الصف بين الدروز والحكومة المركزية ضد أي مشروع إسرائيلي في الجنوب باتت ضرورة وطنية ملحّة يجب العمل عليها دون تأخير.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 9