المحاسبة القانونية لبشار الأسد: تحديات وسبل الحل

سامر الخطيب

2025.03.05 - 01:50
Facebook Share
طباعة

 بعد انهيار النظام السوري، تصاعدت المطالب بضرورة محاكمة الرئيس السابق بشار الأسد وكبار مسؤولي نظامه بسبب الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب السوري على مدار سنوات الحرب. من أهم المطالب هو تسليم الأسد لمحاكمته في محكمة دولية أو وطنية، لكن هذا المسار يواجه العديد من التحديات القانونية والسياسية التي قد تؤثر على سير العدالة.


العديد من السوريين لا يكتفون بمجرد تغيير النظام السوري ورحيل الأسد عن السلطة، بل يطالبون بمحاكمته على ما ارتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذه المطالب لا تقتصر فقط على إعادة النظام السوري إلى المسار الديمقراطي، بل تتعداه إلى تحقيق العدالة بشكل فعلي، عبر محاكمة الأسد شخصيًا في محكمة جنائية دولية أو محاكم وطنية ذات اختصاص.


الموقف الروسي من تسليم الأسد
موقف روسيا من تسليم بشار الأسد إلى محكمة دولية أو إلى السلطات السورية ظل يشكل عائقًا رئيسيًا. بعد فرار الأسد إلى روسيا، قدمت موسكو له اللجوء السياسي، معتبرة أنه يحتاج إلى الحماية لأسباب إنسانية. في المقابل، صرح المسؤولون الروس بأنهم ليسوا ملزمين بتسليم الأسد إلى محكمة جنائية دولية، حيث أن روسيا ليست طرفًا في اتفاقية روما التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، هذا التصريح يضع موسكو في موقف رافض لأي مطالب بتسليم الأسد، خاصة مع علاقات الدعم التي جمعتها مع النظام السوري طوال سنوات الحرب.


على الرغم من ذلك، هناك اتفاقيات دولية تنص على أن بعض الدول قد ترفض تسليم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بسبب المخاوف من تعرضهم للتعذيب. وفي هذا السياق، قد تستند روسيا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي تحظر تسليم الأشخاص إذا كانت هناك مخاوف جادة من تعرضهم للتعذيب في الدولة المستقبلة.


العقبات القانونية في المحكمة الجنائية الدولية
واحدة من أكبر التحديات التي تواجه محاكمة الأسد هي الصعوبة القانونية في إحالة قضيته إلى المحكمة الجنائية الدولية. سوريا، كونها ليست طرفًا في ميثاق روما الذي أسس المحكمة، لا يمكنها طلب فتح تحقيق ضد الأسد في المحكمة. وحتى محاولة مجلس الأمن الدولي إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية باءت بالفشل نتيجة لاستخدام روسيا حق النقض (الفيتو)، ما يجعل الطريق مغلقًا أمام التحقيقات الدولية.


محاكمات في الدول الأوروبية
مع إغلاق الباب أمام محاكمة الأسد في المحكمة الجنائية الدولية، اتجهت بعض الدول الأوروبية، التي تتمتع بولاية قضائية عالمية، إلى محاكمة المسؤولين السوريين على أراضيها. مثال على ذلك هو محاكمة الضابط السوري أنور رسلان في ألمانيا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. الدول الأوروبية تعتمد في هذه المحاكمات على مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتيح لها محاكمة الجرائم المرتكبة خارج أراضيها إذا كان هناك ضحايا من مواطنيها.


تسليم المجرمين إلى دول عربية
بعض المسؤولين السوريين الذين فروا من سوريا بعد انهيار النظام قد لجأوا إلى دول عربية، مثل لبنان. لبنان، الذي يعد طرفًا في العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، يواجه ضغوطًا لتسليم هؤلاء المشتبه بهم أو محاكمتهم. إذ يُلزم لبنان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، إما بتسليم المشتبه بهم أو إحالة القضايا إلى السلطات المختصة في لبنان لمحاكمتهم.


علاوة على ذلك، وقعت سوريا عدة اتفاقيات مع دول عربية مثل تونس والإمارات العربية المتحدة والعراق بشأن تسليم المجرمين، ما قد يساهم في تسريع محاكمة بعض المسؤولين السابقين في النظام السوري.


الحلول الممكنة داخل سوريا
بجانب الضغوط الخارجية، يبقى الخيار الأكثر تحديًا ولكنه واعدًا هو تحقيق العدالة داخل سوريا نفسها. على الرغم من الظروف الصعبة للنظام القضائي السوري، خاصة مع تاريخه الطويل في انتهاك حقوق الإنسان ورفضه الالتزام بالقوانين الدولية، فإن هناك محاولات لدعم إنشاء آلية عدالة مختلطة. هذه الآلية ستكون تحت إشراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، مع ضمان مشاركة السوريين في هذه العمليات القضائية، ما يعزز إمكانية تطوير نظام قضائي محايد يلتزم بالمعايير الدولية.


مذكرة توقيف فرنسية ضد الأسد
في خطوة متقدمة، أصدرت محكمة فرنسية في يناير 2025 مذكرة توقيف جديدة ضد بشار الأسد، تتعلق بتورطه في جرائم حرب، خصوصًا الهجوم الذي وقع في درعا عام 2017، والذي أسفر عن مقتل مواطن يحمل الجنسيتين الفرنسية والسورية. هذه المذكرة هي الثانية من نوعها ضد الأسد، إذ سبقتها مذكرة توقيف بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية في 2013. رغم أن هذه المذكرات تواجه تحديات كبيرة في التنفيذ، فإنها تبقى جزءًا من المحاولات المستمرة للمجتمع الدولي لمحاسبة الأسد على جرائمه.


دور المحاكم الأوروبية في محاسبة مجرمي النظام السوري
الضغط على الدول الأوروبية لمواصلة محاكمة المسؤولين السوريين في محاكمها سيكون محوريًا في المرحلة المقبلة. العديد من المحاكم الأوروبية بدأت بالفعل بمحاكمة ضباط ومجندين سوريين بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، وهو ما قد يصبح نموذجًا يستفاد منه في المستقبل لإصلاح النظام القضائي السوري. من المهم أيضًا أن تستمر محاكمة هؤلاء الأشخاص في دولهم الأوروبية حتى تضمن محاكمة عادلة، وهذا يتطلب استقرارًا قانونيًا داخل سوريا وضمان أن النظام القضائي سيحترم المعايير الدولية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 8