تشهد مدينة رأس العين، الواقعة ضمن منطقة "نبع السلام" بريف الحسكة الشمالي الغربي، أوضاعًا معيشية متدهورة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية، وسط غياب تام لأي رقابة من قبل المجالس المحلية الموالية لتركيا. ومع حلول شهر رمضان، تضاعفت معاناة الأهالي، الذين باتوا يواجهون صعوبة في تأمين احتياجاتهم اليومية في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية.
انهيار الخدمات الأساسية وتراكم الأزمات
تعاني المدينة من مشكلات خدمية متراكمة، حيث يشكو السكان من انقطاع متكرر للمياه والكهرباء، وغياب خدمات الصرف الصحي، إضافة إلى تراكم النفايات في الشوارع بسبب غياب دور البلديات في جمعها أو ترميم الطرق المتضررة. كل ذلك أدى إلى خلق بيئة غير صحية زادت من معاناة الأهالي، ودفعت بالكثيرين إلى البحث عن حلول بديلة، غالبًا ما تكون مكلفة ولا تتناسب مع أوضاعهم الاقتصادية المتردية.
و يؤكد أحد سكان المدينة (ر.ع) أن الوضع أصبح غير محتمل: "المياه لا تصلنا إلا كل عدة أيام، والكهرباء مقطوعة معظم الوقت، وحتى عندما تأتي، فإنها لا تستمر إلا لساعات قليلة. أما الطرق، فهي مليئة بالحفر، والقمامة تتراكم في الأحياء، مما أدى إلى انتشار الأمراض. لا أحد يهتم، وكأننا متروكون لمصيرنا."
الأسعار ترتفع.. والمواطن يعجز عن تأمين احتياجاته
مع تردي الأوضاع الاقتصادية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل غير مسبوق، حيث يعاني السكان من صعوبة تأمين احتياجاتهم اليومية، وخاصة خلال شهر رمضان، الذي يتطلب نفقات إضافية لإعداد وجبات الإفطار والسحور. ويرجع ذلك إلى سيطرة التجار على الأسواق دون وجود أي نوع من الرقابة، ما أدى إلى احتكار السلع ورفع أسعارها بشكل مبالغ فيه.
تقول (ع.ح)، وهي إحدى سكان المدينة: "كيس الطحين أصبح سعره ضعف ما كان عليه قبل أشهر، والزيت والسكر ارتفعت أسعارهما بشكل جنوني، دون أي تدخل من الجهات المسؤولة. التجار يتحكمون بالأسواق كما يشاؤون، وأصبحنا غير قادرين على تأمين الاحتياجات الأساسية. زوجي وابني يعملان في البناء، لكن دخلهما لم يعد يكفي حتى لشراء الطعام."
فوضى أمنية وسرقات متزايدة
لم تقتصر معاناة سكان رأس العين على الوضع الاقتصادي فحسب، بل امتدت إلى الجانب الأمني أيضًا. حيث تشهد المدينة انتشارًا كبيرًا لحوادث السرقة والسطو المسلح، نتيجة لغياب القانون وانتشار الفوضى، ما جعل حياة السكان في خطر مستمر. وتحدث بعض الأهالي عن حالات سرقة للمحال التجارية والمنازل، إضافة إلى تزايد حالات الخطف مقابل الفدية، الأمر الذي يعمّق من حالة الخوف وانعدام الأمان بين السكان.
تضيف (ع.ح): "لا نشعر بالأمان حتى داخل منازلنا، فالسرقات تزداد يومًا بعد يوم، والمجرمون لا يخشون أحدًا، وكأننا نعيش في غابة بلا قوانين. أصبحنا نخشى الخروج لشراء حاجياتنا مساءً، وحتى خلال النهار، لا نضمن سلامتنا."
حتى المقاتلون يشتكون من الوضع المعيشي
لم تقتصر الأوضاع المأساوية في رأس العين على المدنيين فقط، بل امتدت لتشمل حتى المقاتلين التابعين للفصائل العسكرية. حيث كشف أحد عناصر فصيل "الحمزات" عن سوء أوضاع المقاتلين أنفسهم، مشيرًا إلى تأخر الرواتب وسوء الظروف المعيشية التي تدفع البعض إلى التفكير في مغادرة المدينة. وقال: "حتى نحن المقاتلين لا نحصل على رواتبنا في الوقت المحدد، وغالبًا ما تتم سرقة مستحقاتنا من قبل القيادات. الكثير من المقاتلين بدأوا يفكرون في مغادرة رأس العين والعودة إلى مناطقهم الأصلية في تلبيسة والغوطة الشرقية، فالوضع هنا لم يعد يُحتمل."
تحليل: أزمة رأس العين بين الفوضى والتهميش
تعكس الأوضاع في رأس العين نموذجًا مصغرًا للأزمة السورية بشكل عام، حيث يتداخل العامل الأمني مع الاقتصادي والخدمي، ليشكل بيئة غير مستقرة تهدد حياة السكان يوميًا. إن استمرار غياب الرقابة وترك المدينة تحت رحمة الفصائل المسلحة والتجار، أدى إلى خلق حالة من التهميش والفوضى، جعلت المواطنين غير قادرين على مواجهة أعباء الحياة المتزايدة.
ومع دخول شهر رمضان، يتفاقم الوضع أكثر، حيث يتطلع الأهالي إلى حلول جذرية تحسن من مستوى المعيشة، سواء عبر ضبط الأسواق ومنع الاحتكار، أو من خلال إعادة تأهيل الخدمات الأساسية التي تشكل حجر الأساس في أي مجتمع مستقر. إلا أن غياب الإرادة السياسية والاقتصادية الفاعلة يجعل من هذه التطلعات مجرد أحلام يصعب تحقيقها في المستقبل القريب.
يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل سكان رأس العين يعانون في ظل غياب أي حلول حقيقية؟ وهل ستشهد المدينة تحركًا جديًا لإنهاء معاناة سكانها، أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، بل وربما يزداد سوءًا مع مرور الأيام؟