سارعت «قسد» وأذرعها الإدارية والسياسية إلى نفي أي صلة لها بدعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، مقاتلي الحزب إلى إلقاء سلاحهم، معتبرةً أن «الأمر يخص تركيا وحدها»، وإن رأت أن تحقّق السلام بين الطرفين يجب أن ينعكس على استقرار المنطقة ككل. وبعد أقل من ساعة على صدور رسالة أوجالان من سجنه في جزيرة إيمرالي، أعلن القائد العام لـ»قسد»، مظلوم عبدي، أن «تصريحات مؤسّس حزب العمال الكردستاني خاصّة بالحزب، وليست مرتبطة بسوريا»، مضيفاً أن «أوجالان أرسل لنا بشأن إعلانه وكان إيجابياً». ورأى أن «السلام بين الطرفين، إن تمّ، من المفترض أن ينزع ذريعة تركيا في مهاجمتنا»، مجدداً «الرغبة في الانضمام إلى الجيش السوري ككتلة وليس كأفراد»، في وقت قرّرت فيه «الإدارة الذاتية» إجراء حوار حول مستقبل البلاد، بعد استبعادها من «مؤتمر الحوار الوطني» في دمشق.
وعلى الجانب التركي، وجدت أنقرة في رسالة أوجالان فرصة للتشديد على ضرورة تخلي الأحزاب والتيارات المسلحة الكردية، بما فيها «قسد»، عن العمل العسكري والانخراط في المسار السياسي، انسجاماً مع دعوة مؤسس «العمال الكردستاني». وجدّد وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، القول إن «الشعب السوري لن يقبل باحتلال أي جزء من أرضه من أي جهة»، مضيفاً أن «دمشق لن تسمح باحتلال أراضيها لا من حزب العمال الكردستاني، ولا من الاحتلال الإسرائيلي»، داعياً «الولايات المتحدة إلى التخلّي عن التزامها بدعم الوحدات الكردية التي تشكل تهديداً لتركيا».
من جهته، رحّب «المجلس الوطني الكردي» بمبادرة أوجالان، معتبراً أن أن «نجاح المبادرة يعتمد على استجابة الحزب ومقاتليه لهذه الدعوة»، وأن «هذه الخطوة تمثّل فرصة حقيقية لإنهاء العنف، واعتماد النضال السياسي والحلول السلمية». وفي السياق ذاته، أكّد عضو الهيئة الرئاسية لـ»حزب الاتحاد الديمقراطي»، الذي يقود «الإدارة الذاتية»، صالح مسلم، أن «الدعوة هي لحزب العمال الكردستاني، ولا تعني قسد في سوريا»، مشدداً على أن «مسألة مستقبل قسد ودمجها في مؤسسات الدولة المقبلة؛ التي من المفترض أن تمثل كل السوريين، شأن سوري». ورأى أنه «من غير المنطقي أن تلقي قسد سلاحها، ومناطق سيطرتها تشهد هجمات متكرّرة من فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا في ريف حلب»، داعياً «الحكومة السورية إلى إدانة هذه الهجمات والتدخل لإيقافها، لكونها تُعتبر اعتداء على السيادة الوطنية السورية».
وعلى رغم أن «قسد» سعت إلى النأي بنفسها عن إعلان أوجلان، إلا أن هذا الموقف يعكس أيضاً رغبتها في إثبات استقلالها عن «حزب العمال الكردستاني»، في رسالة موجّهة إلى الولايات المتحدة وفرنسا والغرب، مفادها أنها كيان سوري مستقلّ، وإن كانت ترفع صور أوجالان في مناطق سيطرتها كرمز سياسي. كما أن موقفها يهدف إلى إسقاط ذرائع تركيا، التي في حال تحقّق السلام بينها وبين «العمال الكردستاني»، ستفقد حجة ارتباط «قسد» بالحزب، وهو ما قد يؤدي إلى وقف الهجمات التركية.
وتأتي هذه التطورات في توقيت حساس بالنسبة إلى «قسد»، خاصة أن تجربة «الإدارة الذاتية» بدأت تكتسب زخماً في مناطق أخرى من سوريا، مثل السويداء، حيث تستعدّ الفعاليات المحلية هناك للإعلان عن تشكيل قوات عسكرية خاصة بها، في مؤتمر صحافي برعاية شيوخ طائفة الموحّدين الدروز، وذلك في محاولة للضغط على الإدارة في دمشق لمنعها من التفرّد بالسلطة وتشكيل مؤسسات من لون واحد، ولا سيما المؤسسة العسكرية. وبهذا المعنى، ترى «قسد» أن الفرصة سانحة لقيادة تيار يدفع في اتجاه «اللامركزية» الإدارية أو الجغرافية، كنموذج يراعي التنوّع الاجتماعي والقومي والطائفي في البلاد، مستفيدة من الدعم الأوروبي والأميركي.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر، أن «قسد نجحت ربما في إقناع عبدالله أوجالان بعدم التطرّق إلى سوريا وقسد، والامتناع عن دعوتها إلى إلقاء سلاحها، واعتبار ذلك شأناً داخلياً سورياً»، مشيرةً إلى أن «الرسالة التي وصلت إلى الحسكة قبل أيام من القائد أوجالان تطرّقت إلى سوريا، لكنها على الأغلب كانت محاولة لاستمزاج رأي قادة قسد في مضمون النداء».
وتضيف المصادر أن «بعض قادة الكرد في سوريا شكّكوا في صحة النداء، لكونه يدعو إلى إنهاء 47 عاماً من النضال المسلّح، والذي كلّف تضحيات كبيرة، من دون أي مقابل سياسي على الأقل»، معتبرة أن «ذلك يمثّل فرصة للجناح المؤيّد لفك الارتباط بحزب العمال، ويهيّئ لدعوة المقاتلين الأجانب في قسد لمغادرة سوريا، ما سيؤسّس لظروف أفضل للحوار مع كل من دمشق وأنقرة». وتلفت المصادر إلى أن «قسد متمسّكة أكثر من أي وقت مضى بسلاحها، لأن هناك مخاوف من تكرار الانتهاكات الحاصلة في الساحل وحمص وحماة في المنطقة، لو تُرك أهلها من دون حماية»، مضيفةً أن «أسهم قسد كجهة عسكرية بدأت ترتفع في السويداء والساحل، بسبب ممارسات سلطات دمشق المتفردة بالحكم، وإصرارها على تشكيل مؤسسات من لون واحد فقط».