نداء أوجلان: هل يطوي الكرد صفحة السلاح

سامر الخطيب

2025.03.01 - 11:56
Facebook Share
طباعة

 أثارت دعوة زعيم "حزب العمال الكردستاني" (PKK) عبد الله أوجلان، لإلقاء السلاح وحلّ الحزب، تفاعلاً واسعًا بين مختلف القوى السياسية والعسكرية في منطقة شمال شرقي سوريا. تأتي هذه الدعوة في وقت حساس، حيث ترنو الأنظار نحو تأثيراتها المحتملة على الوضع الإقليمي والدولي، خاصةً في ظل التقلبات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يطلق فيها أوجلان مثل هذه الدعوات، إلا أن الظروف المحيطة بها قد تكون مختلفة بشكل جذري، مما يثير العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت هذه الدعوة ستترجم إلى واقع ملموس، وما هي الأبعاد المستقبلية لهذا التحول في استراتيجية الحزب الكردي.


في هذا المقال، سوف نستعرض السياق التاريخي والدوافع وراء هذه الدعوة، ونحلل ردود الأفعال المختلفة، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة لهذه الدعوة على المستوى الإقليمي والدولي.


السياق التاريخي والدوافع وراء الدعوة
لطالما كانت العلاقة بين "حزب العمال الكردستاني" (PKK) والدولة التركية محفوفة بالتوترات والصراعات المستمرة لأكثر من أربعة عقود، ومنذ تأسيسه في السبعينات، خاض الحزب سلسلة من المواجهات المسلحة ضد الحكومة التركية، مطالِبًا بحقوق الأكراد في تركيا وفي المنطقة بشكل عام، ورغم وجود محاولات عديدة للتوصل إلى اتفاقات سلام، فإن تلك المحاولات لم تدم طويلًا، حيث كان يعود القتال بين الطرفين بسبب الخلافات حول تنفيذ تلك الاتفاقات.


أوجلان، الذي يُعتبر قائد الحزب والمؤسس له، سبق له أن دعا مرات عديدة لوقف العمليات العسكرية وإلقاء السلاح، آخرها في عام 2013 حينما طرح فكرة "النضال الديمقراطي" وتوقف القتال، ورغم أن هذه الدعوات لاقت صدى في بعض الأوساط الكردية، فإن الواقع على الأرض كان يختلف، حيث أن "حزب العمال الكردستاني" وامتداداته المحلية في سوريا لم يلتزموا دائمًا بتلك الدعوات، بل استأنفوا العمليات العسكرية بسبب ما اعتبروه عدم التزام من قبل السلطات التركية بما تم الاتفاق عليه.


الآن، يكرر أوجلان دعوته لإلقاء السلاح وحلّ الحزب، ولكن هذه المرة في سياق سياسي مختلف تمامًا، فقد تزايدت الضغوط على "حزب العمال" من قبل الدول الإقليمية والدولية، بينما تمسك تركيا بسياسة حاسمة تجاه "حزب العمال" وامتداداته. علاوة على ذلك، فإن الصراع المستمر في سوريا والعراق أضاف بعدًا معقدًا للموضوع، حيث تواجدت قوات "العمال الكردستاني" في مناطق استراتيجية شمال شرقي سوريا، وهي مناطق تخضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تُعتبر بالنسبة لتركيا امتدادًا للحزب.


ردود الأفعال على دعوة أوجلان
بمجرد إطلاق رسالة أوجلان، تباينت ردود الأفعال من مختلف الأطراف الكردية والإقليمية. في شمال شرقي سوريا، التي تشهد صراعًا طويلًا بين الأكراد والقوى العربية والسورية من جهة، وبين تركيا من جهة أخرى، كانت ردود الفعل متباينة، في حين رحب المجلس الوطني الكردي، الذي يعد من الأقطاب السياسية الكردية المعارضة لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD)، والذي يُعتبر فرعًا سوريًا لـ "حزب العمال الكردستاني"، بالدعوة باعتبارها فرصة لإنهاء العنف في المنطقة والانخراط في النضال السلمي، فإن "حزب الاتحاد الديمقراطي" كان أكثر تحفظًا.


في هذا السياق، قال صالح مسلم، عضو هيئة رئاسة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، إن قادة "حزب العمال الكردستاني" لن ينفذوا دعوة أوجلان لإلقاء السلاح دون دراسة متأنية للظروف المحيطة، وأكد أن الحاجة لحمل السلاح ما تزال مستمرة، خاصة مع التكرار المستمر للاعتداءات التركية على المنطقة. وبالتالي، فإن الدعوة لم تلقَ تجاوبًا فوريًا من قبل "قسد" أو "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذين أشاروا إلى أن إلقاء السلاح لن يكون خيارًا إلا في حالة توفر ضمانات سياسية وأمنية حقيقية.


من جهة أخرى، كان موقف "حزب العمال الكردستاني" نفسه غامضًا، إذ لم يصدر أي تعليق رسمي من الحزب على دعوة أوجلان. ولكن مراد قره يلان، أحد أبرز قادة الحزب، كان قد صرح في وقت سابق بأن التخلي عن السلاح يتطلب عقد مؤتمر داخلي لمناقشة القرار، مؤكدًا أن مجرد دعوة عبر الفيديو من أوجلان لا يمكن أن تكون كافية لاتخاذ قرار بهذه الأهمية.


التحليل السياسي والمستقبل المحتمل
إن دعوة أوجلان تمثل نقطة تحول في مسار "حزب العمال الكردستاني" وحلفائه في سوريا، فقد أصبحت المنطقة محط أنظار القوى الإقليمية والدولية بسبب تعقيداتها السياسية والأمنية. من جهة، تؤكد الورقة البحثية التي نشرها "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية" في 28 فبراير أن المصالح الإقليمية والدولية في شمال شرقي سوريا تجعل الفعل المحلي أقل تأثيرًا في رسم المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة. وتشير الدراسة إلى أن القرار النهائي بشأن الاستجابة لنداء أوجلان يعود بشكل أساسي إلى "حزب العمال"، وليس إلى "حزب الاتحاد الديمقراطي" أو "قسد".


في هذا السياق، يرى الباحث سامر الأحمد أن "قسد" أمام خيارين صعبين: إما أن تتبنى دعوة أوجلان وتتحرر من الهيمنة التنظيمية لـ "حزب العمال"، ما يعني التوجه نحو تسوية سياسية مع دمشق، أو أن تظل جزءًا من المشروع الكردي الذي تقوده تركيا ضد "حزب العمال"، ما سيعني استمرار الصراع.


وعلى الرغم من ترحيب بعض الأطراف الكردية والدولية بهذه الدعوة، إلا أن العديد من الباحثين يشيرون إلى أن تنفيذها سيواجه صعوبات كبيرة. فالعلاقات المعقدة بين "حزب العمال" وأطراف إقليمية مثل الولايات المتحدة وإيران، وكذلك مع القوى المحلية في سوريا، قد تؤدي إلى تعقيد تنفيذ هذه الدعوة. وبالتالي، فإن أي تحرك حقيقي نحو حل النزاع يتطلب توافقًا دوليًا وإقليميًا أوسع.


تظل دعوة عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح وحل "حزب العمال الكردستاني" خطوة مفصلية في سياق الصراع الكردي التركي السوري. ورغم الترحيب بها من بعض الأطراف، إلا أن الظروف السياسية المعقدة تجعل تحقيقها أمرًا غير يسير. إذ سيعتمد المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة بشكل كبير على التفاهمات الإقليمية والدولية، وكذلك على ردود فعل "حزب العمال" وحلفائه.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 8