السياسة الإسرائيلية في الجنوب اللبناني: تكتيك الاحتلال والانعكاسات السياسية

رامي عازار

2025.02.19 - 10:50
Facebook Share
طباعة

 تصرّ تل أبيب على الاستمرار في سياسة المماطلة والتحايل على اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، محتفظة بخمسة مواقع استراتيجية في المنطقة الحدودية، وتبرر ذلك بأن وجود جيشها في هذه النقاط ضروري لحماية مستوطنات الشمال وطمأنة سكانها، إلا أن هذا الموقف أثار تساؤلات حول حقيقة الانتصار الإسرائيلي، إذ لو كانت تل أبيب واثقة من نتائج المواجهة، فلماذا لا يزال المستوطنون متخوفين من العودة إلى مستعمراتهم؟


الانعكاسات اللبنانية للوجود الإسرائيلي
بالنسبة للبنان، فإن استمرار الاحتلال لهذه المواقع، ولو كانت محدودة المساحة، يمثل انتهاكًا للسيادة الوطنية، حيث إن السيادة لا تتجزأ، ووفقًا للخبراء، فإن بقاء القوات الإسرائيلية في التلال الخمس سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، أبرزها:
- إضعاف مسار الدبلوماسية: سيقلل من فعالية الدعوات إلى الاحتكام حصريًا للخيار الدبلوماسي والشرعية الدولية لتحرير الأرض.
- تعزيز مشروعية سلاح المقاومة: استمرار الاحتلال يمنح المقاومة مشروعية إضافية بموجب القوانين الدولية التي تكرّس الحق في مقاومة الاحتلال.
- إمكانية ظهور أنماط جديدة من المقاومة: قد يؤدي هذا الواقع إلى نشوء جهات أخرى تنخرط في المقاومة، كما حدث بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
- زعزعة الاستقرار في المنطقة الحدودية: بقاء الاحتلال يجعل الوضع الأمني هشًا وقابلاً للانفجار في أي لحظة.
- تأخير عودة النازحين: استمرار وجود القوات الإسرائيلية في بعض المناطق الجنوبية يعيق عودة الأهالي، ما يفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
- إضعاف مصداقية اللجنة الدولية المشرفة على تنفيذ القرار 1701: فعدم الضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل يطعن في نزاهة الإشراف الأميركي على الاتفاق.
- التأثير على العهد الرئاسي الجديد: استمرار الاحتلال يشكل عبئًا سياسيًا وأمنيًا على الرئيس جوزاف عون وحكومة نواف سلام، مما قد يؤثر على أولوياتهما.
- زيادة الضغوط على الجيش اللبناني: بات الجيش مطالبًا بمواجهة الاحتلال والانتهاكات، ما يفرض عليه مسؤوليات إضافية تعزز دوره الميداني.


الموقف الدولي والفرنسي
أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها "أخذت علمًا" بانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض القرى الجنوبية، لكنها شددت على ضرورة "الانسحاب الكامل في أقرب وقت ممكن" وفقًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار، كما أكدت باريس على أهمية نشر قوات اليونيفيل، بما في ذلك الكتيبة الفرنسية، في المواقع الخمسة لضمان أمن السكان، ودعت إلى استمرار المراقبة الدولية لتنفيذ الاتفاق.


الأهداف الإسرائيلية من البقاء في الجنوب
تشير مصادر سياسية إلى أن بقاء إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية يحمل أبعادًا استراتيجية تتعلق بالمرحلة المقبلة، من أبرزها:
- استخدام المواقع الخمس كمراكز إنذار مبكر: قد تُستخدم هذه النقاط لمراقبة أي تطورات تتعلق بالمنشآت النووية الإيرانية.
- تمهيد لتوسيع النفوذ الإسرائيلي: تسعى تل أبيب إلى تحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى" بدعم أميركي، على حساب لبنان والدول المجاورة.
- إعادة رسم الحدود: تهدف إسرائيل إلى طمس الخط الأزرق عبر خلق واقع جديد يعتمد على السيطرة التدريجية.
- تجنب المواجهة المباشرة مع السكان: اختيار مواقع بعيدة عن التجمعات السكنية لتفادي أي احتكاك مباشر.
- استفزاز المقاومة وإعادة إشعال الحرب: تسعى إسرائيل إلى فرض قواعد اشتباك جديدة قد تدفع المقاومة للرد، مما يبرر تصعيدًا عسكريًا.


التحكم بالميدان ورؤية إسرائيل المستقبلية
تُظهر المواقع التي بقيت فيها القوات الإسرائيلية في الجنوب أنها تمثل نقاط مراقبة استراتيجية، تكشف القرى والمناطق الممتدة من الناقورة إلى الخيام، ويعكس هذا الوجود نية إسرائيلية للتحكم بالميدان عبر فرض هيمنتها النارية على أي تحرك تعتبره تهديدًا أمنيًا، كما يرتبط هذا الخط العسكري بالمرتفعات المحتلة في كفرشوبا ومزارع شبعا، ما يوحي بمخطط لتمديد الاحتلال جغرافيًا.


يبدو أن إسرائيل ليست في وارد الانسحاب من المواقع الخمسة قريبًا، ما يشير إلى وجود نوايا استراتيجية تتجاوز الأمن المباشر إلى محاولات فرض واقع جديد يخدم أهدافها في المنطقة. في المقابل، يبقى لبنان أمام تحديات كبيرة تتطلب تكاتف الجهود السياسية والعسكرية والدبلوماسية لاستعادة كامل السيادة الوطنية، وتحصين الجنوب من مخططات الاحتلال المستمرة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1