تتصاعد المطالب الشعبية والحقوقية في مدينة إدلب شمال غربي سوريا، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجون "هيئة تحرير الشام"، التي قادت العملية العسكرية المعروفة باسم "ردع العدوان"، وأسفرت عن سقوط النظام السوري السابق وفرار بشار الأسد إلى روسيا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
مناشدات مستمرة للإفراج عن المعتقلين
تتنوع الأصوات المطالِبة بإطلاق سراح المعتقلين، حيث يشدد ناشطون وشرعيون ومدنيون وأحزاب سياسية على أن الإفراج عن المعتقلين، وخاصة معتقلي الرأي، يعد ضرورة ملحة، تماشيًا مع مبادئ الثورة السورية القائمة على الحرية والكرامة، لا سيما بعد انتهاء حكم الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية.
ويتركز النداء حاليًا على رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني)، الذي كان قائد "هيئة تحرير الشام"، حيث لا تزال هذه المطالب بانتظار استجابة رسمية منه.
مطالب بإصدار عفو شامل
في 4 فبراير/شباط 2025، وجّه الداعية والشرعي عبد الرزاق المهدي دعوة مباشرة إلى أحمد الشرع لإصدار عفو عن جميع معتقلي الرأي في سجون إدلب، وعلى رأسهم "أبو يحيى الجزائري" و"أبو شعيب المصري" و"أبو سفيان الجبلاوي".
ورأى المهدي أن "تبييض السجون" أصبح "واجب المرحلة"، متسائلًا عن سبب التسامح مع الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق، مثل الإعلاميين والعسكريين التابعين للفرقة الرابعة، في حين أن معتقلي الرأي الذين وقفوا مع الثورة لا يزالون قابعين في السجون.
كما استشهد بحديث النبي محمد: "وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا"، داعيًا إلى اعتماد نهج الصفح والرحمة تجاه المؤمنين، مشيرًا إلى أن اللطف والتسامح يجب أن يشمل هؤلاء الذين ضحوا من أجل الثورة.
بيان حقوقي يطالب بالإفراج عن المعتقلين
في 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، أصدر "نشطاء الحراك الثوري السوري" بيانًا وصفوه بـ"النداء الإنساني"، موجهًا إلى أحمد الشرع بصفته قائد "إدارة العمليات العسكرية"، طالبوا فيه بإطلاق سراح جميع المعتقلين في سجون "هيئة تحرير الشام"، باستثناء من يثبت تورطه في جرائم دموية، على أن يتم محاكمتهم أمام محاكم مستقلة.
وأشار البيان إلى أن سوريا بحاجة إلى طي صفحة الماضي والبدء من جديد، مشددًا على ضرورة إنهاء ملف الاعتقالات في جميع المناطق السورية، بما في ذلك مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بهدف إغلاق هذا الملف الذي يعتبر أحد أكثر الجوانب المظلمة في تاريخ البلاد.
كما أكد البيان أهمية الإسراع في تفعيل "محاكم سوريا الحرة" لضمان المحاسبة العادلة لكل منتهك لحقوق السوريين.
حزب التحرير: أكثر من 40 معتقلًا في سجون إدلب
لطالما كان ملف المعتقلين في سجون "هيئة تحرير الشام" محور انتقادات، وازدادت حدة هذه الانتقادات منذ مطلع 2024، حيث واجهت "الهيئة" حملة ضغوط جديدة مشابهة لتلك التي تعرضت لها عام 2021، عندما أنكرت وجود تعذيب داخل معتقلاتها.
ورغم صعوبة تحديد العدد الدقيق للمعتقلين، أكد حزب "التحرير"، وهو حزب إسلامي سياسي، أن لديه أكثر من 40 معتقلًا في سجون إدلب، وهم من مختلف المحافظات السورية، مثل درعا ودمشق وحمص وحماة وحلب وإدلب والرقة، وتتراوح أعمارهم بين 30 و60 عامًا.
انتهاكات متواصلة داخل المعتقلات
أكد حزب "التحرير" أن معتقليه لم تُوجه إليهم أي تهم رسمية، كما أنهم محرومون من الزيارات، مشيرًا إلى أن بعض السجون، مثل سجن "الـ55" في حارم، شهدت "ظروفًا قاسية جدًا"، مقارنة بسجون أخرى مثل "جسر الشغور" و"سرمدا"، إلا أن جميع المعتقلين يتعرضون للانتهاكات بغض النظر عن مكان احتجازهم.
وأشار الحزب إلى أن بعض المعتقلين مضى على احتجازهم أكثر من عام ونصف دون السماح لهم برؤية ذويهم، إلا في حالات استثنائية تمت بوساطة علاقات خاصة.
غياب الاستجابة الرسمية ومطالبات متكررة
لم يحصل حزب "التحرير" على أي رد رسمي بخصوص مطالب الإفراج عن أعضائه، وكل ما تلقاه كان مجرد "وعود" بالإفراج عنهم قريبًا، مما يعكس ضبابية الأسباب التي أدت إلى اعتقالهم.
وفي رسالة موجهة إلى الحكومة السورية الانتقالية، شدد الحزب على أن الثورة قامت ضد الظلم والاعتقالات التعسفية، محذرًا من تبني نفس النهج الذي كان متبعًا في عهد النظام السابق.
كما ذكّر بأن العديد من المعتقلين الحاليين كانوا ناشطين سياسيين وميدانيين وقادة في العمل الثوري، ومنهم من كان قد اعتُقل سابقًا في سجون الأسد، مثل "صيدنايا" و"الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية".
حراك سابق وعفو جزئي
في فبراير/شباط 2024، شهدت إدلب مظاهرات طالبت بإسقاط "الجولاني" وتبييض السجون، على خلفية مقتل العسكري عبد القادر الحكيم المعروف بـ"أبو عبيدة تل حديا" تحت التعذيب في سجون "هيئة تحرير الشام"، بعد أن تم اعتقاله بتهمة "العمالة" ودفنه دون إبلاغ عائلته.
وفي أعقاب تلك الاحتجاجات، تعهد عبد الرحيم عطون، رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في "تحرير الشام"، بزيارة السجون وإصدار عفو عام عن المعتقلين، مع وعود بإجراء إصلاحات، إلا أنه لم يتم الكشف عن تفاصيل تلك الإصلاحات.
وفي 5 مارس/آذار 2024، أعلنت حكومة "الإنقاذ"، التي كانت تدير إدلب حينها، عن عفو عام بمناسبة شهر رمضان، شمل من حصلوا على وثيقة "حسن سيرة وسلوك" وفق معايير معينة.
وبحلول 24 مايو/أيار 2024، بلغ عدد المفرج عنهم بموجب العفو أكثر من 700 شخص، وفق وزارة العدل في حكومة "الإنقاذ".
مطالب مستمرة وغياب رد حكومي
لا تزال المطالب تتزايد بشأن الإفراج عن المعتقلين في إدلب، وسط ضغوط حقوقية وشعبية متواصلة، إلا أن السلطات الانتقالية لم تصدر بعد أي قرارات رسمية تعالج هذه القضية الحساسة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الحريات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السابق.