أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، يوم السبت، تشكيل أول حكومة في عهد الرئيس جوزاف عون، بعد مشاورات مكثفة استمرت قرابة الشهر. ومن المقرر أن تعقد الحكومة الجديدة جلستها الأولى يوم الثلاثاء المقبل في قصر بعبدا عند الساعة 11 صباحًا، عقب التقاط الصورة التذكارية.
وأكد سلام، في كلمة مقتضبة من القصر الجمهوري، أن حكومته تسعى إلى "إعادة الثقة بين المواطنين والدولة، وبين لبنان ومحيطه العربي والمجتمع الدولي"، مشددًا على أن "الإصلاح هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة". وأشار إلى أن الأولوية تكمن في تحقيق الأمن والاستقرار عبر استكمال تنفيذ القرار 1701، واتفاق وقف إطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المتبقية، بالتوازي مع إعادة الإعمار.
من جانبه، هنأ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الحكومة الجديدة، متمنيًا لسلام وفريقه الوزاري التوفيق في "متابعة الجهود الإنقاذية التي أرستها حكومتنا خلال السنوات الثلاث الماضية". وشدد ميقاتي في بيان رسمي على ضرورة "التعاون الكامل خلال المرحلة المقبلة لمعالجة القضايا العالقة، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، واستكمال تنفيذ القرار 1701". كما أجرى اتصالًا بسلام هنّأه خلاله على تشكيل الحكومة وتمنى له النجاح في مهامه.
تأثيرات دولية وحلحلة العقد السياسية
شهد تشكيل الحكومة الجديدة تزامنًا مع وجود نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في بيروت، ما يشير إلى دور الضغوط الدولية في تسريع عملية التشكيل. وكشفت صحيفة "الشرق الأوسط" أن العقبة الأبرز التي أخّرت الإعلان عن الحكومة كانت اختيار الوزير الشيعي الخامس، قبل أن يتم الاتفاق على تعيين فادي مكي وزيرًا للتنمية الإدارية، بعدما رفض الثنائي الشيعي اسم لميا مبيض الذي اقترحه سلام، فيما رفض الأخير تعيين نائب حاكم مصرف لبنان الأسبق، رائد شرف الدين.
وأفادت مصادر مطلعة أن لقاء الرؤساء الثلاثة – رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس الحكومة نواف سلام – في القصر الجمهوري، سادته أجواء إيجابية وتم التوافق على اسم مكي دون أي تحفظ. وأوضحت المصادر أن رئيس الجمهورية كان قد اقترح اسم رائد شرف الدين، وهو شصية تتمتع بمهنية عالية وسجل نظيف، إلا أن عدم التوافق بين سلام وبري حال دون اعتماده.
وفيما يتعلق بالموقف الأميركي، أشارت المصادر إلى أن الولايات المتحدة لم تعارض تمثيل الطائفة الشيعية في الحكومة، لكنها شددت على عدم إشراك وزراء ينتمون بشكل مباشر إلى "حزب الله"، وهو موقف يبدو أنه تم إبلاغه للرئيس برّي بشكل شخصي. ورغم ذلك، فقد ضمت الحكومة وزراء شيعة غير محسوبين حزبيًا على "حزب الله"، ما يعكس توازنًا سياسيًا دقيقًا.
حكومة تكنوقراط بتوازن سياسي جديد
رأت صحيفة "النهار" أن تشكيلة الحكومة برئاسة نواف سلام تتسم بحضور قوي للاختصاصيين، حيث تضم شخصيات معروفة بكفاءتها وخبراتها المهنية، مثل غسان سلامة، طارق متري، وياسين جابر. وعلى الرغم من أن لبنان شهد سابقًا حكومات تكنوقراط، مثل حكومة الشباب في عهد الرئيس سليمان فرنجية، إلا أن الظروف التي رافقت تشكيل حكومة سلام والتعهدات التي أطلقها تجعلها مختلفة، إذ تنطلق في زمن سياسي جديد بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف سلام.
ورغم محاولة الإبقاء على الطابع التكنوقراطي، لم يغب البعد السياسي عن تشكيل الحكومة، حيث ضمت شخصيات محسوبة على مختلف القوى السياسية، بما في ذلك الثنائي الشيعي، "القوات اللبنانية"، "الكتائب"، الحزب التقدمي الاشتراكي، والطاشناق. كما برز تحالف جديد بين رئيسي الجمهورية والحكومة، في حين غابت قوى أخرى مثل "التيار الوطني الحر" وبعض الكتل السنية، ما قد يفتح الباب أمام تشكيل معارضة جديدة مع اقتراب الانتخابات النيابية المقبلة.
نهاية "الثلث المعطل" وانطلاق العمل الحكومي
إحدى أبرز السمات التي ميّزت تشكيل هذه الحكومة هي كسر معادلة "الثلث المعطل" التي أفرزها اتفاق الدوحة، وإلغاء مفهوم "الوزير الملك"، ما يعزز قدرة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على اتخاذ القرارات دون عراقيل داخلية. كما أن وزير المال لم يعد يمتلك القدرة على تعطيل القرارات الوزارية، وهو تطور لافت في المشهد السياسي اللبناني.
ومن المقرر أن تنطلق الحكومة الجديدة في عملها يوم الثلاثاء المقبل، حيث ستعقد أولى جلساتها في قصر بعبدا، على أن تبدأ اللجنة الوزارية المكلفة بصياغة البيان الوزاري أعمالها فورًا. وسيشكل هذا البيان خارطة طريق للحكومة، إذ سيتضمن التوجهات الإصلاحية والالتزامات السيادية، بما يتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية والتصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة. ومن أبرز العناوين التي ستتم مناقشتها في البيان: تنفيذ القرار 1701، تأمين الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الإصلاحات الإدارية والمالية، بما يعكس الرؤية الجديدة للحكومة في ظل التغيرات السياسية الإقليمية والدولية.