تواصلت المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة الجديدة وسط حالة من المراوحة، مع تضارب في تفسير العقد والمطالب واتساع دائرة التجاذبات الداخلية والخارجية. هذا يأتي بالتزامن مع حراك مكثف داخلي وخارجي يترجم بتقديم النصائح للرئيس المكلف نواف سلام، حيث يتعرض لضغوط من عدة جهات.
تطورات المفاوضات الحكومية
أفادت "النهار" بأن الفترة الأخيرة شهدت حديثًا واسعًا عن حل العقدة الشيعية، والتي تمثلت في منح حقيبة المال إلى المرشح الوحيد الذي اقترحه الرئيس نبيه بري، وهو النائب والوزير السابق ياسين جابر. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس المكلف يكمن في تصميمه على معاييره الخاصة في تشكيل الحكومة، والتي شدد عليها خلال تصريحاته من قصر بعبدا مساء أمس.
يعكس هذا التشدد أمرين رئيسيين: الأول هو زيادة التعقيدات التي يواجهها الرئيس سلام، والذي لم يلتزم بأي مهلة محددة لتشكيل الحكومة، والثاني هو تصاعد حدة المفاوضات حول المواقع الوزارية المسيحية والسنية، والتي بدأت تتصدر المشهد تدريجيًا.
التوزيع الوزاري المحتمل
بحسب معلومات "النهار"، فإن الاتصالات أفضت مبدئيًا إلى توزيع الحقائب على الشكل التالي:
وزارة الداخلية: العميد المتقاعد أحمد الحجار.
الحقائب الخمس المخصصة للطائفة الشيعية:
المالية: ياسين جابر.
الصحة: علي رباح.
الصناعة: صلاح عسيران.
العمل: طلال عتريسي.
البيئة: علاء حمية.
وفي ظل ذلك، يسعى سلام إلى أن تكون له بصمته الخاصة في التشكيلة، مؤكداً أنه "ليس صندوق بريد". هذا التوجه يفرض عليه البحث عن تفاهمات جدية مع القوى السياسية المؤثرة، ليس فقط لضمان نيل الحكومة الثقة، بل لضمان عدم عرقلتها مستقبلًا.
من جهة أخرى، يعتبر سلام أن دوره يتجاوز كونه رئيسًا للحكومة فقط، بل يشكل جزءًا من العهد الجديد، وليس فقط الرئيس جوزيف عون. ويشير أحد المسؤولين الكبار إلى أن اسم سلام كان ثابتًا بين المرشحين لرئاسة الحكومة، بينما كان هناك تنافس حاد على رئاسة الجمهورية. ومع ذلك، بدأ الرئيس عون يعبر عن انزعاجه من تأخير التشكيل، مؤكدًا أنه لا يريد تصعيدًا سياسيًا، لكنه يصر على إنجاز الحكومة سريعًا بسبب التزامات خارجية تتطلب حضور رئيس حكومة ووزراء معنيين.
مواقف القوى السياسية
ذكرت "نداء الوطن" أن الأمور لن تتضح قبل منتصف الأسبوع المقبل، محذرة من أن الحلول الترقيعية ستؤدي إلى مزيد من التعقيد. وأضافت أن الرئيس المكلف قدم مسودة أولية لم تتضمن حسمًا نهائيًا للأسماء، لا سيما في ما يتعلق بالحصة الشيعية. وتنص المسودة على توزيع الحقائب السيادية كالتالي:
المالية والصحة: للطائفة الشيعية.
الأشغال العامة: للدروز.
الداخلية: للسُنة.
الدفاع والخارجية: بالتوافق بين عون وسلام.
الاتصالات والطاقة: للقوات اللبنانية، مع استمرار البحث في عدد الحقائب المخصصة لها.
العدل والتربية: لا تزالان قيد البحث.
ورأت مصادر "البناء" أن لا مشكلة بين الثنائي الشيعي والرئيس المكلف، مؤكدة أن وزارة المالية حُسمت لصالح ياسين جابر. في المقابل، لوّح تكتل التغييريين بتنظيم تظاهرات على غرار أحداث 17 تشرين 2019، في حال لم يستجب الرئيس المكلف لمطالبهم.
عقبات إضافية أمام التشكيل
فيما يتعلق بالتمثيل المسيحي، فقد ذكرت مصادر أن الأسماء لا تزال متغيرة تبعًا لتوزيع الحقائب. ومن بين الأسماء التي حُسمت فايز رسامني عن الحصة الدرزية.
كما علمت "اللواء" أن سلام أبلغ الرئيس عون أنه بحاجة إلى بضعة أيام إضافية لإجراء مزيد من الاتصالات قبل تقديم تشكيلة نهائية. وفي هذا الإطار، جدد رئيس الجمهورية التأكيد على ضرورة الابتعاد عن مبدأ "تناتش الحصص"، داعياً إلى حكومة مؤلفة من نخب مستقلة.
وفيما تردد أن وزارة الزراعة حُسمت لمصلحة تكتل الاعتدال الوطني، أفادت مصادر التكتل بعدم تلقيهم أي تأكيد رسمي بهذا الشأن، ووصفت علاقتهم بالرئيس المكلف بالممتازة.
موقف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر
أشارت مصادر القوات اللبنانية إلى أن أداء الرئيس المكلف لا يسير بطريقة مرضية، مؤكدة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مطالب الكتل التي أيدته.
أما التيار الوطني الحر، فقد أبدى احتمال عدم المشاركة في الحكومة، معتبرًا أن معايير اختيار الوزراء يجب أن تكون موحدة وعادلة بين الجميع.
موعد ولادة الحكومة
بحسب المعطيات، فإن الحكومة قد تبصر النور خلال أيام قليلة، إما في نهاية الأسبوع الجاري أو خلال الأسبوع المقبل. لكن مصادر في تكتل "لبنان القوي" اعتبرت أن بعض القوى تحاول الالتفاف على المعايير المعلنة من خلال ترشيح شخصيات غير حزبية لكنها مرتبطة سياسيًا بأحزابها.
وفي النهاية، يتضح أن العقبات ما زالت قائمة، رغم محاولات الرئيس المكلف تجاوزها عبر التفاهمات والاتصالات المستمرة مع مختلف القوى السياسية، وسط ضغوط محلية وخارجية للإسراع في تشكيل الحكومة.