تستمر الجهود الحثيثة لتشكيل الحكومة الجديدة بعيدًا عن الأضواء، حيث يطمح الرئيس المكلّف إلى إنجاز التأليف بحلول نهاية الأسبوع، على عكس توقعات العديد من المراقبين الذين يرون أن ولادة الحكومة قد تتأجل إلى النصف الثاني من شباط، في ظل تعقيدات المفاوضات التقليدية التي دخلت حيز التنفيذ.
المشهد السياسي والتطورات الأخيرة
بحسب صحيفة "الديار"، فإن المعطيات المتوافرة حول تشكيل الحكومة لا توحي بإمكانية ولادتها خلال اليومين المقبلين كما توقّع البعض، إذ إن أقصى ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة هو استئناف الحوار بين الرئيس المكلف والأطراف السياسية المعنية، مع تكثيف الزيارات إلى بعبدا بحثًا عن تسوية توفّق بين المطالب السياسية والوعود الإصلاحية التي أطلقها العهد.
ومع استمرار المراوحة السياسية، بدأ القلق يتصاعد لدى بعض الأوساط السياسية والأمنية من احتمال أن يفتح هذا الفراغ الباب أمام محاولات لزعزعة الاستقرار الأمني، لا سيما مع بروز مؤشرات ميدانية في الأيام الأخيرة. إلا أن مصادر أمنية مطلعة أكّدت أن الوضع ممسوك ولا داعي للقلق، مشددة على أن الأجهزة الأمنية تتابع التطورات عن كثب.
وفي حديث خاص لصحيفة "الديار"، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الحكومة ستُشكل نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة ستشهد ورشة إصلاحية شاملة في مجلس النواب على مختلف المستويات القانونية والتشريعية والاقتصادية، على أن تكون هذه الإصلاحات مستندة إلى الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف). كما نفى بري أن يكون قد تلقّى أي تواصل أو نقاش بشأن مبدأ المداورة في وظائف الفئة الأولى.
وفي ما يتعلق بموقفه من وقف إطلاق النار، أكد بري أنه يلتزم بموقف الدولة اللبنانية القاضي بقبول التمديد المشروط حتى 18 شباط، مقابل التزام الاحتلال بوقف اعتداءاته وعمليات التدمير والتجريف التي ينفذها في القرى الحدودية المحتلة.
المفاوضات مستمرة والعقد تتفاقم
يواصل الرئيس المكلف نواف سلام اتصالاته بعيدًا عن الإعلام، حيث يتضح أن "الطبخة الوزارية" لم تكتمل بعد، سواء من ناحية توزيع الحقائب أو إسقاط الأسماء. وتشير المصادر إلى أن هناك عقبات جديدة استجدت في الساعات الأخيرة، ما خلق أجواء ضبابية وأدى إلى تعديل في جدول المواعيد. وكان من المفترض أن يزور الرئيس سلام القصر الجمهوري يوم الأربعاء لعرض مسودة التشكيلة الحكومية، إلا أن هذه الزيارة تأجلت نتيجة المستجدات التي طرأت على المشاورات.
العراقيل التي تؤخر تشكيل الحكومة
بحسب صحيفة "اللواء"، فإن هناك معلومات تشير إلى أن ولادة الحكومة تواجه تعثرًا بسبب ضغوط تمارسها "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب"، الرافضان لمنح حقيبة المالية لحركة "أمل" و"حـ.ـزب الله".
إلا أن مصادر سياسية مطلعة أكدت أن التشكيلة أصبحت شبه جاهزة، وأن المشاورات مستمرة لإزالة العقبات الأخيرة. وأضافت المصادر أن الأسماء الوزارية لم تُحسم بعد، وهناك مقترحات قيد البحث، على أن يُقدّم الرئيس المكلف الصيغة النهائية إلى رئيس الجمهورية فور اكتمال المشاورات، التزامًا بالمسار الدستوري. كما أشارت إلى أن توزيع الحقائب أنجز بنسبة 90%، مع التأكيد على ضرورة تجنّب أي عراقيل جديدة قد تؤدي إلى تأخير ولادة الحكومة.
من جهتها، نفت أوساط "القوات اللبنانية" ما يُشاع عن عدم مشاركتها في الحكومة، مؤكدة أنها تطالب بمعايير واضحة وعادلة في عملية التأليف. وذكرت مصادر أن "القوات" أبلغت الرئيس المكلف أنها ستسمي وزراءها وتُسقطهم على الحقائب في حال تم تطبيق النهج نفسه مع "الثنائي الشيعي". كذلك، يطالب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بخمس حقائب وزارية إذا حصلت "القوات" على أربع.
تأثير الضغوط السياسية على التشكيل
أما صحيفة "نداء الوطن"، فتساءلت عما إذا كان الرئيس المكلف نواف سلام قد خضع لشروط "الثنائي الشيعي"، متسائلة إن كان قد فقد زخم تكليفه لمصلحة شروط عين التينة وحارة حريك.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة على التشكيل قولها إن الرئيس المكلف استجاب لمعظم مطالب "الثنائي"، بما في ذلك منح حقيبة المالية بالإضافة إلى وزارات العمل والبيئة والصحة، في حين أن المكونات المسيحية والسنية لم تحصل على المعاملة نفسها.
وأبدت هذه المصادر استغرابها من الطريقة التي يتعاطى بها الرئيس المكلف مع القوى السياسية، حيث بدا أكثر تجاوبًا مع "حزب الله" و"حركة أمل"، فيما يتعامل مع "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" بشكل مختلف. وأشارت إلى أن حزب "القوات" الذي كان حريصًا على دعم الحكومة الجديدة يشعر بأن تمثيله لم يكن عادلاً، بينما أبدى "التيار الوطني الحر" اعتراضه على منهجية التفاوض.
السنة في موقف الترقب
كما لفتت الصحيفة إلى أن أوساطًا سُنية عبّرت عن قلقها من تهميش التمثيل السُني في الحكومة، معتبرة أن الرئيس المكلف يتعامل مع المكوّن السُني على أنه مجرد عنصر إداري وتقني بعيد عن دوره السياسي الوطني.
ورأت هذه الأوساط أن التوجه الذي يعتمده الرئيس المكلف لا يختلف عن النهج الذي تبنّاه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، حين حاول الفصل بين الاقتصاد والسياسة، وهو نهج ثبت فشله في السابق. واعتبرت أن الأسماء الوزارية السُنية المطروحة لا تمثل عمق الدور السياسي للمكون السُني، وإنما تقتصر على الشخصيات التكنوقراطية، مما قد يؤدي إلى خلل كبير في المشهد السياسي العام.
وسط هذه التعقيدات، لا تزال عملية التأليف محكومة بموازين القوى الداخلية والخارجية، إذ يبقى نجاح الرئيس المكلف مرهونًا بقدرته على إيجاد توازن سياسي يرضي مختلف الأطراف. وعلى الرغم من تأكيد بعض المصادر أن الحكومة باتت قريبة من الولادة، فإن العقبات المستجدة قد تعيد خلط الأوراق مجددًا، ما لم تحدث اختراقات ملموسة في الساعات المقبلة.