الدور الغربي في تسليح الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي

2025.01.28 - 06:08
Facebook Share
طباعة

 بين أغسطس/آب 2024 ويناير/كانون الثاني 2025، أقرّت الولايات المتحدة صفقتي أسلحة ضخمتين لإسرائيل بقيمة 28 مليار دولار، رغم موجة واسعة من الاحتجاجات الحقوقية التي تطالب بوقف توريد الأسلحة للكيان الإسرائيلي بسبب عدوانه الوحشي المستمر على غزة. لكن الأسلحة التقليدية ليست سوى جزء من القصة؛ فقد ظهر بوضوح أن التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، أصبحت مكونًا رئيسيًا في آلة الحرب الإسرائيلية، بدعم كبير من الشركات الغربية.


الأسلحة التقليدية والتكنولوجيا الذكية
لم تقتصر الجرائم الإسرائيلية على استخدام الأسلحة الموجهة، بل توسعت إلى استخدام تقنيات متطورة توفرها شركات تكنولوجية غربية، مما ساعد في تنفيذ هجمات دقيقة، ولكنها عشوائية من الناحية الإنسانية، تسببت في دمار شامل وفقدان آلاف الأرواح. ومن بين هذه الشركات غوغل وأمازون و"بالنتير تكنولوجيز"، التي زودت إسرائيل بأنظمة الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وبرمجيات متقدمة مكّنت الجيش الإسرائيلي من استهداف المدنيين والمواقع الحيوية بكفاءة مروعة.


دعم مباشر عبر الذكاء الاصطناعي
كشفت صحيفة واشنطن بوست، بناءً على وثائق مسربة، أن غوغل قدمت دعمًا مباشراً للجيش الإسرائيلي عبر أدوات الذكاء الاصطناعي. ورغم الاحتجاجات الداخلية من موظفي الشركة، الذين طالبوا بوقف التعاون مع الجيش الإسرائيلي، استمرت غوغل في تقديم خدماتها، بما في ذلك أداة "فيرتكس" (Vertex)، التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف بدقة ومتابعة عمليات تدميرها.


كما أشارت الوثائق إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم خدمة "جيميناي" (Gemini)، وهي إحدى تقنيات غوغل المتقدمة، لتطوير مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص به. هذا المساعد يُعالج بيانات ضخمة، بما في ذلك المستندات والملفات الصوتية والمرئية، لتحسين كفاءة العمليات العسكرية، وخاصة في تحديد الأهداف والقضاء عليها.


مشروع "نيمبوس" وتوسيع القتل
واحدة من أكثر المشاريع إثارة للجدل كانت مشروع "نيمبوس" (Nimbus)، وهو اتفاق بقيمة 1.2 مليار دولار بين إسرائيل وشركتي غوغل وأمازون، لتزويد الحكومة والجيش الإسرائيلي بحوسبة سحابية متطورة. وقد أشار المدير العام لمديرية الأمن السيبراني الإسرائيلية إلى أن هذا المشروع ساعد بشكل مباشر في تحسين قدرات الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة.


وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت إسرائيل نظام ذكاء اصطناعي يُعرف باسم "حبسورا" (Habsora)، الذي يتيح تحديد واستهداف آلاف الأهداف البشرية والبنية التحتية يومياً، مما يجعل القتل أكثر تنظيماً. يعتمد النظام على تقنيات التعرف على الوجوه وتحليل البيانات الضخمة، لتوسيع قائمة الاستهداف التي كانت تُحدد في الماضي من قبل محللين بشريين، وهو ما أظهر خطورة الاعتماد على الخوارزميات في قرارات تؤدي إلى قتل المدنيين.


شركات تكنولوجية أخرى في دائرة الاتهام
إلى جانب غوغل وأمازون، تورطت شركات تكنولوجية كبرى أخرى مثل "بالنتير تكنولوجيز"، التي زودت إسرائيل ببرمجيات ذكاء اصطناعي متقدمة تعتمد على بيانات ضخمة، بعضها ورد من وكالات استخبارات أميركية مثل وكالة الأمن القومي (NSA). وتشمل هذه البرمجيات نظام "تيتان" (Titan)، الذي صمم لمعالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات، وتوفير قوائم استهداف دقيقة للجيش الإسرائيلي.


وقد أظهرت تحقيقات متعددة، منها ما نشرته مجلة ذا نايشن الأميركية، أن الوحدة الإسرائيلية 8200، المتخصصة في الحرب السيبرانية والتجسس، تعاونت بشكل وثيق مع "بالنتير" لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي "غيّرت مفهوم الأهداف بالكامل"، ما أدى إلى قصف مواقع مدنية وقتل أعداد كبيرة من النساء والأطفال.


الذكاء الاصطناعي كأداة للإبادة
تشير تقارير حقوقية إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب الإسرائيلية على غزة لم يقتصر على استهداف المقاتلين، بل طال آلاف المدنيين. فأنظمة مثل "لافندر" (Lavender) تضع قوائم طويلة من الأهداف اعتماداً على خوارزميات تفتقر إلى أي تحقق بشري جاد، ما أسفر عن قتل جماعي ممنهج. وقد أظهرت تحقيقات أن الخوارزميات المستخدمة كانت تعتمد على بيانات جمعتها وكالات استخبارات أميركية، بما في ذلك اتصالات ورسائل بين فلسطينيين في الولايات المتحدة وعائلاتهم في غزة.


الاحتجاجات الداخلية
في مواجهة هذا الدور المشين، نظم موظفون في شركات التكنولوجيا احتجاجات واسعة ضد دعم إسرائيل. في غوغل، فصلت الشركة 49 موظفاً طالبوا بوقف التعاون مع الجيش الإسرائيلي. وفي "بالنتير"، استقال العديد من الموظفين اعتراضاً على دعم الشركة لجرائم إسرائيل. كما انسحبت شركات استثمارية مثل "ستور براند" النرويجية من التعاون مع "بالنتير" بسبب تورطها في العدوان على غزة.


شراكة متجذرة
توضح هذه الحقائق أن العلاقة بين إسرائيل والشركات الغربية تتجاوز المصالح التجارية إلى شراكة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتكريس الاحتلال وتنفيذ جرائم الحرب. ورغم تزايد الضغوط الشعبية والدولية، تستمر هذه الشركات في العمل مع إسرائيل، مما يجعلها شريكة في الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في غزة.


في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأخلاقي مطروحًا: كيف يمكن لمجتمعات تدّعي احترام حقوق الإنسان أن تسمح لشركاتها بالمشاركة في جرائم إبادة؟ وكيف يمكن وقف هذا التواطؤ الذي يجعل من التكنولوجيا أداة للقمع والقتل بدلاً من أن تكون وسيلة للارتقاء بالبشرية؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8