بعد انتخاب جوزف عون رئيسًا للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام برئاسة الحكومة، يدخل لبنان مرحلة جديدة في تاريخ نظامه السياسي والاقتصادي، حيث تأمل الحكومة الجديدة في تحسين العلاقات مع الدول العربية، خصوصًا في ظل رغبة هذه الدول في دعم بيروت في هذه المرحلة الحساسة.
وتتطلع فرنسا، الحليف الاستراتيجي التقليدي للبنان، إلى تعزيز الروابط مع البلد، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، التي تسعى إلى لعب دور محوري في دعم الإصلاحات الاقتصادية في لبنان، ولكن، على الرغم من هذه الآمال والطموحات، يواجه لبنان تحديات اقتصادية ضخمة في 2025 قد تشكل عائقًا أمام التقدم الفعلي في هذا الاتجاه.
التحديات الاقتصادية:
في 2025، يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة، حيث بلغ التضخم مستويات غير مسبوقة تخطت 65٪، مما أفرز تآكلًا في القدرة الشرائية للمواطنين، من جهة أخرى، بلغت معدلات البطالة في صفوف الشباب اللبناني نحو 47.8٪، في ظل تراجع القطاعات الإنتاجية والخدمية في البلاد.
ويعاني الاقتصاد اللبناني من هجرة واسعة للكوادر البشرية، خاصة من فئة الشباب المتعلم، وهو ما يفاقم من العجز في الموارد البشرية ويزيد من حدّة التحديات الاقتصادية.
إضافة إلى هذه الأزمات الداخلية، يعاني لبنان من ضعف البنية التحتية، بما في ذلك نظام الكهرباء والمياه، مما يعرقل النمو الاقتصادي، وتظل البلاد مديونة بشكل ضخم، وهو ما يجعل عملية الدفع بالدين العام عبئًا إضافيًا على خزينة الدولة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.
ولكن رغم التحديات الكبيرة، هناك عوامل قد تساعد في إعادة تنشيط الاقتصاد اللبناني، أبرزها دعم المجتمع الدولي، حيث يقدم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فرصًا لدعم لبنان من خلال قروض مشروطة بتنفيذ إصلاحات اقتصادية هامة، وهو ما يمكن أن يساهم في تحسين الوضع المالي للدولة، كما يمكن لحكومة نواف سلام استعادة بعض الثقة الدولية من خلال تنفيذ إصلاحات مالية وإدارية صارمة، وإجراء تغييرات في النظام الضريبي، ومكافحة الفساد المستشري في الدولة.
وهناك عوامل إيجابية الأخرى تشمل إمكانية استئناف الاستثمار في القطاعات الحيوية، مثل السياحة والعقارات، خاصة في ظل عودة الاستقرار السياسي النسبي بعد انتخاب رئيس للجمهورية، كذلك، قد تشهد لبنان بعض الدعم من الدول العربية المساندة، حيث يمكن أن تستفيد البلاد من مساعدات تنموية واستثمارات في مشاريع بنية تحتية، وهو ما قد يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية في المستقبل القريب.
دعم الدول العربية وفرنسا:
من أهم التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة هي استعادة العلاقات العربية، خصوصًا مع دول الخليج، التي تدهورت في السنوات الماضية بسبب الأزمات السياسية والتوترات الإقليمية، لكن مع التحولات السياسية الحالية، هناك أمل في تحسن هذه العلاقات، وهو ما قد يؤدي إلى تدفق المساعدات الاقتصادية والاستثمارات الخليجية، كما أن الحكومة الجديدة تأمل في إعادة بناء الثقة مع فرنسا، التي لطالما كانت شريكًا استراتيجيًا للبنان، مما قد يؤدي إلى فتح قنوات دعم مالي وتقني.
الفرص الاقتصادية والدعم الدولي:
بالإضافة إلى الدعم العربي والدولي، يترقب لبنان فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي قد تأتي عبر شراكات استراتيجية مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، هذه الشراكات يمكن أن تشمل تمويل مشاريع بنية تحتية، وتحسين النظام المالي، وتطوير قطاع الطاقة، وهي قطاعات حيوية من شأنها أن تساهم في تقليل البطالة وتحسين ظروف المعيشة.
وتتوقع مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني أن يشهد لبنان نموًا اقتصاديًا في المستقبل القريب، وهو ما يعد مؤشرًا إيجابيًا، لكن هذا النمو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحقيق الإصلاحات الضرورية في قطاعات مثل الكهرباء والمالية العامة والإدارة الحكومية.
التحديات الكبيرة أمام الإصلاح
إصلاح الاقتصاد اللبناني يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الحكومة ومؤسسات المجتمع الدولي، وهو أمر لا يخلو من الصعوبات. فإجراءات الإصلاح قد تواجه مقاومة من بعض القوى السياسية في الداخل، فضلًا عن صعوبة تطبيقها في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، إلا أن حكومة نواف سلام أمام فرصة تاريخية لتغيير المسار الاقتصادي للبنان من خلال تحقيق الإصلاحات اللازمة وفتح قنوات التواصل مع العالم العربي والدولي.