مر أكثر من شهر على استلام الإدارة الجديدة للسلطة في سوريا، وخلال هذه الفترة كان تركيزها منصباً على العديد من الأولويات التي من المتوقع أن تستمر خلال المرحلة الانتقالية، هذه الأولويات تتعلق بشكل أساسي بالاستقرار، الإدارة، الشرعية، والسيادة.
وبالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، لم تكن إدارة سوريا الجديدة مهيأة بالكامل للتعامل مع حجم هذه الاستحقاقات، ففي الوقت الذي تفتقر فيه الإمكانيات الكافية لمواكبة هذه التحديات، كانت الإدارة تعتمد على توجيه مواردها نحو الأولويات التالية:
1. ضبط الأمن والاستقرار:
عملت الإدارة الجديدة على حل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، وملاحقة قياداتها، واستبدالها بجهاز أمني جديد تابع لحكومة الإنقاذ. إلا أن هذا الجهاز لا يزال بحاجة إلى توسيع كبير ليتمكن من تغطية احتياجات الأمن في جميع أنحاء البلاد، وأي تأخير في تأمين التغطية الأمنية يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الحوادث الأمنية والجريمة المنظمة، وهو ما قد يستغله الأطراف المعادية مثل فلول النظام وخلايا تنظيم داعش.
تعتبر الإدارة الجديدة أن ضمان استقرار الوضع الأمني هو الأساس لتحقيق الانتقال السياسي، حيث يحتاج هذا الاستقرار إلى خلق بيئة مواتية لعودة اللاجئين وتدفق الاستثمارات، وبالتالي تعزيز العلاقات مع الأطراف الإقليمية والدولية.
2. تقديم الخدمات:
تسعى الإدارة الجديدة إلى تحسين مستوى الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، والمأوى، ومع ذلك، تحتاج هذه الخدمات إلى وقت وجهد كبيرين بالإضافة إلى الموارد التي قد تكون محدودة، وسيعتمد النجاح في هذه المجالات على الدعم الخارجي. على سبيل المثال، بدأت قطر وتركيا في مشروع إعادة تأهيل المطارات الدولية، بينما بدأت تركيا في تأهيل قطاع الكهرباء في حلب، كما تم إرسال محطات كهربائية عائمة إلى الساحل السوري لتوفير الطاقة.
تواجه الإدارة تحديات كبيرة في هذا المجال بسبب البنية التحتية المنهارة، والفساد الإداري في القطاع العام، بالإضافة إلى العقوبات الدولية المستمرة، ومع ذلك، قد تكون الاستثناءات من العقوبات والدعم الخارجي فرصة لتحسين الوضع في هذا الجانب، كما أن تحسين مستوى الخدمات العامة سيكون له أثر في تعزيز الشرعية الشعبية وتحقيق الاستقرار الذي يعد أساساً لعودة اللاجئين والانسجام مع التوجهات الإقليمية والدولية.
3. فك العزلة الدولية:
تواصلت القوى الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي مع الإدارة الجديدة فور تسلُّمها السلطة في دمشق. استغلت الإدارة هذه الرغبة في التواصل لتبدأ بالتفاعل مع الجهات الدولية بهدف تشكيل مشهد جديد للعلاقات مع سوريا. إلا أن هذه التفاعلات تحتاج إلى وقت للتقييم والتأثير في السياسات الدولية، خاصة مع تغير السياسات الأمريكية بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
تعتبر الإدارة أن رفع العقوبات الدولية وفك العزلة السياسية هو أحد أهدافها الرئيسية، حيث سيساهم ذلك في تسريع عملية إعادة الإعمار، بالإضافة إلى فتح المجال لتعزيز التحالفات والشراكات الدولية لمكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار والتنمية.
4. بناء الجيش وحصر السلاح بيد الدولة:
تعمل الإدارة الجديدة على الانتقال من حالة الفصائلية إلى بناء جيش مؤسسي تابع لوزارة الدفاع وهيئة الأركان، مع التركيز على تشكيل جيش احترافي. بدأت وزارة الدفاع بإدماج فصائل العمليات العسكرية والجيش الوطني، وتخطط لتوسيع هذا الإدماج ليشمل جميع المجموعات العسكرية والأمنية في كافة أنحاء سوريا.
إلا أن هذه العملية تتطلب موارد مستقرة، وتخطيطاً دقيقاً لتنظيم وإدارة الجيش الوطني، بالإضافة إلى استقرار سياسي وأمني بين الأطراف المختلفة لضمان تنفيذ هذه الخطوات بشكل فعال.