تشهد عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام تطورات معقدة تتأثر بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية. في حين يسعى الرئيس المكلف لتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات الراهنة، تبرز عقبات سياسية تعكس التوازنات الإقليمية والدولية المرتبطة بلبنان.
عقبات خارجية: الفيتو الأميركي والسعودي
قالت مصادر خاصة لوكالة أنباء آسيا إن الأميركيين وضعوا فيتو صارمًا على تولي "حزب الله" عبر أي من ممثليه في الحكومة وزارة الأشغال العامة، نظرًا لحساسيتها في إدارة المشاريع الكبرى وتمويلها. كما أكد الأميركيون رفضهم إدراج صيغة "جيش وشعب ومقاومة" في البيان الوزاري، باعتبارها نقطة خلافية تعزز من نفوذ الحزب على حساب الدولة.
إضافة إلى ذلك، يعارض الأميركيون بشدة منح الحزب وحلفائه "الثلث المعطل" في الحكومة، خشية استخدامه كأداة لشل قرارات الحكومة المستقبلية. كما يرفضون أي ضمانة حكومية لبنانية تحصر تنفيذ القرار 1701 (المتعلق بوقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان) في منطقة جنوب الليطاني فقط، مؤكدين ضرورة توسيع الالتزام ليشمل شمال الليطاني.
وبحسب المصادر، فإن هذه المطالب تحظى بدعم سعودي واضح، حيث تتفق المملكة مع واشنطن على ضرورة تقليص نفوذ حزب الله في الحكومة المقبلة.
التعقيدات الأمنية: الموقف الإسرائيلي والإيراني
تشير المصادر إلى أن إسرائيل ترفض الانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، وتعمل على إبقاء قواتها كورقة ضغط بيد الأميركيين، لفرض شروط إضافية على حزب الله في مناطق شمال الليطاني أيضًا.
هذا الوضع يهدد بتعقيد المشهد الأمني في لبنان، خاصة إذا قرر حزب الله التصعيد عبر عمليات عسكرية تستهدف الوجود الإسرائيلي في المناطق المحتلة. هذا التوجه اكتسب دعمًا إضافيًا بعد فتوى علنية أصدرها آية الله خامنئي اليوم، دعا فيها إلى استمرار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
دور خامنئي وتأثيره على حزب الله
تكتسب فتوى خامنئي أهمية كبيرة، ليس فقط بسبب مكانته كمرشد أعلى في إيران، بل لأنه يُعتبر فقيهًا ومرجعًا دينيًا لكل الشيعة المؤمنين بنظرية "ولاية الفقيه". حزب الله، الذي يلتزم بهذه النظرية، يرى في توجيهات خامنئي مرجعًا شرعيًا ودينيًا، مما يعزز من احتمال تبني الحزب موقفًا تصعيديًا إذا استمرت الضغوط الدولية والإسرائيلية عليه.
انعكاسات هذه التطورات على تشكيل الحكومة
التباينات الإقليمية والدولية تزيد من صعوبة التوصل إلى توافق داخلي بشأن توزيع الحقائب الوزارية وصياغة البيان الوزاري.
يواجه الرئيس المكلف نواف سلام تحديًا كبيرًا في إرضاء الأطراف الداخلية مع الالتزام بالمطالب الدولية التي تقودها واشنطن وحلفاؤها.
التصعيد الأمني المحتمل في جنوب لبنان قد يُعقّد تشكيل الحكومة ويعرقل أي مساعٍ لإعادة الاستقرار إلى البلاد.
تشكيل الحكومة اللبنانية بات معلقًا بين مطرقة الضغوط الخارجية وسندان المصالح الداخلية، في وقت يواجه فيه لبنان تحديات اقتصادية وأمنية غير مسبوقة. يبقى الحل رهنًا بتوافق داخلي يوازن بين هذه التحديات والتوازنات الإقليمية المتشابكة.
موقف حزب الله وإمكانياته أمام التحديات الراهنة
هل يستطيع حزب الله خوض حرب ضد الجيش الإسرائيلي؟ وهل لديه قدرة على تهديد استقرار المشروع الدولي والنفوذ الأميركي والسعودي في لبنان بعد الضربات التي تلقاها؟
1. القدرة العسكرية لحزب الله
بحسب خبراء عسكريين:
يملك الحزب إمكانات عسكرية متطورة:
على الرغم من الضربات الإسرائيلية الأخيرة، يمتلك حزب الله ترسانة صاروخية ضخمة قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي، بما في ذلك مدن استراتيجية مثل تل أبيب وحيفا. التقديرات تشير إلى أن الحزب يمتلك الان الاف الصواريخ طويلة المدى وعشرات الاف الصواريخ القصيرة المدى وعدد غير معروف من الصواريخ الدقيقة.
بعضها دقيق وذو قدرة تدميرية عالية.
تكتيكات غير تقليدية:
حزب الله أثبت خلال حروب سابقة، لا سيما حرب 2024 البرية أنه قادر على إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل من خلال حرب العصابات واستخدام أنظمة دفاع صاروخية مضاد للدروع متطورة.
الدعم الإيراني:
الحزب يستمد دعمه العسكري واللوجستي من إيران، التي تعتبره حليفا استراتيجيًا في المنطقة، مما يعزز قدرته على الصمود في مواجهة الضغوط الإسرائيلية حتى بعد زوال النظام السوري البعثي، فتجربة غزة تسلحيا اشد صعوبة من اعادة تسليح الحزب عبر البحر والبر. فسورية ارض للفوضى ومن يعادون الحزب ايديولوجيا هم انفسهم من قد يمررون له الاسلحة الاستراتيجية عبر مناطق سيطرتهم اذا توفر المال مقابل خدماتهم.
2. تهديد استقرار النفوذ الاميركي في لبنان
نفوذ داخلي قوي:
يتمتع حزب الله بنفوذ كبير داخل المؤسسات اللبنانية، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني. لذلك، فإن أي مواجهة مباشرة معه قد تؤدي إلى زعزعة استقرار لبنان بالكامل.
توازن القوة:
الحزب قادر على استغلال هشاشة الدولة اللبنانية لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية. كما يمكنه تعطيل عمل الحكومة أو استخدام العنف الموجه داخليًا لتعزيز موقفه.
3. النفوذ الأميركي والسعودي
تهديد مصالح الدول:
حزب الله يمتلك القدرة على تهديد النفوذ الأميركي والسعودي في لبنان من خلال توجيه ضربات غير مباشرة، مثل تعزيز تحالفاته مع قوى إقليمية ودولية مناهضة لأميركا. كما يمكنه عرقلة أي مبادرات اقتصادية أو سياسية مدعومة من الغرب.
هل من مصلحة أميركا وإسرائيل حشر حزب الله حتى يختار بين العودة للقتال أو الاستسلام؟
1. الحشر والتصعيد العسكري
بحسب خبراء سياسيين:
الخطر من التصعيد:
دفع حزب الله نحو خيار الحرب قد يؤدي إلى مواجهة شاملة تضر بالمصالح الأميركية والإسرائيلية. الحزب لن يختار الاستسلام بسهولة بسبب إيمانه بـ"المقاومة".
2. الاستفادة من الضغوط الدبلوماسية
الضغط دون التصعيد:
قد تفضل أميركا وإسرائيل الاستمرار في الضغط على الحزب اقتصاديًا وسياسيًا بدلًا من التصعيد العسكري، لا سيما مع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان.
عزل الحزب:
الهدف الأميركي والإسرائيلي الأساسي قد يكون عزل حزب الله داخليًا، وتحجيم نفوذه السياسي دون دفعه إلى خيار القتال.
3. الاستسلام أو التكيف
حزب الله لن يستسلم بسهولة: بسبب خلفيته الأيديولوجية والدعم الإيراني، من غير المرجح أن يختار الحزب الاستسلام. بل سيحاول التكيف مع الضغوط من خلال تعزيز نفوذه الداخلي أو إشعال توترات محدودة تخدم أهدافه.
1. قدرة حزب الله على المواجهة: الحزب ما زال يمتلك قوة عسكرية كبيرة تمكنه من خوض حرب ضد إسرائيل، لكنه يدرك أن الحرب الشاملة قد تكون مكلفة جدًا في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية.
2. التصعيد أو الاستسلام: ليس من مصلحة أميركا وإسرائيل إجبار حزب الله على خيار الحرب، حيث قد يؤدي ذلك إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه. النهج الأفضل بالنسبة لهما هو الاستمرار في الضغط السياسي والاقتصادي لعزل الحزب داخليًا وإضعافه تدريجيًا.
3. السيناريو الأكثر ترجيحًا: من المتوقع أن يحاول حزب الله التكيف مع الضغوط دون الوصول إلى خيار المواجهة الشاملة، مع الاستمرار في تعزيز قدراته الردعية والحفاظ على دوره كفاعل رئيسي في الساحة اللبنانية والإقليمية.