لطالما كان قطاع النفط أحد أعمدة الاقتصاد السوري قبل عام 2011، حيث وفر للنظام السوري مصدر دخل رئيسي من التصدير والاستهلاك المحلي، ووفقًا لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، بلغ إنتاج سوريا عام 2011 نحو 385 ألف برميل يوميًا، منها 238 ألف برميل تم تكريرها محليًا، بينما تم تصدير الباقي بعائد سنوي يُقدر بثلاثة مليارات دولار.
يقول الدكتور عبد المنعم الحلبي، الأكاديمي والباحث في الاقتصاد السياسي، إن النظام السوري كان ينتج حوالي 400 ألف برميل يوميًا، بينما كانت البلاد تحتاج إلى قرابة 200 ألف برميل إضافي يوميًا لتغطية الاستهلاك المحلي، وأوضح أن النقص كان يُعوَّض عبر التعاون مع إيران والعراق في فترات مختلفة.
الحقول النفطية: توزيع جغرافي وإنتاج متراجع
تقع الحقول النفطية السورية الرئيسية بين شرق وغرب الفرات، ففي شرق الفرات، تضم محافظة دير الزور حقولًا غنية مثل حقل العمر الذي كان ينتج 80 ألف برميل يوميًا، بالإضافة إلى حقل كونوكو وحقل التنك، أما غرب الفرات، فتوجد حقول أقل إنتاجًا مثل حقل التيم وحقل الشولا، التي كانت توفر نحو 15 ألف برميل يوميًا.
وفي محافظة الحسكة، كان إنتاج حقول الجبسة ورميلان يتجاوز 210 آلاف برميل يوميًا قبل النزاع، لكن مع استمرار الحرب، تراجع الإنتاج بشكل حاد.
اليوم، لا يتجاوز إنتاج بعض الحقول 250 برميلًا يوميًا، وفقًا للمهندس رعد السعدون، مدير عمليات الحقول، الذي أكد أن تدمير شبكة النقل بين ضفتي الفرات أجبر الإدارة على استخدام صهاريج بدلًا من الأنابيب.
وتعرضت الحقول النفطية للتدمير بسبب القصف المتكرر، بالإضافة إلى السرقات خلال انسحاب قوات النظام وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأوضح المهندس فراس الحمد أن العقوبات الغربية منعت استيراد المعدات اللازمة لصيانة البنية التحتية، مما زاد من تدهور الإنتاج.
العقوبات وتأثيرها على القطاع
أشار المهندس مصطفى طه، نائب رئيس دائرة "ديرو للنفط"، إلى أن العديد من المحطات، مثل محطة الخراطة التي تضم 29 بئرًا، تعمل منها حاليًا خمس آبار فقط بسبب نقص المعدات والتقنيات، وأكد أن العقوبات الغربية أثرت بشدة على عمليات الصيانة واستيراد المعدات الضرورية.
إعادة التأهيل ومستقبل القطاع
يرى المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي أن رفع العقوبات واستقطاب الشركات الدولية يُمكن أن يعيد الإنتاج إلى 500 ألف برميل يوميًا، مع تخصيص نصف الإنتاج للاستهلاك المحلي والنصف الآخر للتصدير. وأوضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب استقرارًا سياسيًا وإعادة بناء البنية التحتية.
من جهته، أوضح المحلل الاقتصادي محمد الأحمد أن استعادة قطاع النفط لعافيته تحتاج إلى جذب المستثمرين وإعادة الكفاءات السورية التي غادرت البلاد، وأضاف أن استغلال الموارد النفطية بشكل أفضل يمكن أن يسهم في تلبية احتياجات الشعب السوري وتحقيق التنمية المستدامة.
خطط التنمية والمستقبل
تسعى الإدارة الجديدة لقطاع النفط إلى تحويل عائداته إلى مشاريع تنموية تخدم إعادة إعمار البلاد، ووفقًا لمصعب الهجر، المشرف على الحقول النفطية في دير الزور، تُعقد اجتماعات مكثفة بين الكوادر المحلية والخبراء لتطوير خطط شاملة لإعادة تأهيل القطاع، بما يشمل التعاقد مع شركات أجنبية متخصصة.
وأشار الهجر إلى أن تحسين استغلال الموارد النفطية يعد جزءًا من خطة شاملة لبناء اقتصاد مستدام لسوريا ما بعد الحرب، وأكد أن تحويل الإيرادات إلى مشاريع تنموية سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة وبناء اقتصاد قوي يخدم جميع السوريين.