على مسافة أيام قليلة من جلسة مجلس النواب المقررة في التاسع من كانون الثاني لانتخاب رئيس للجمهورية، يزداد المشهد السياسي في لبنان تعقيدًا وغموضًا، وسط تصاعد الحراك الداخلي والدولي وسيل من التسريبات التي أثارت القلق حول احتمالات "صفقات ليلية" قد تغير مسار الاستحقاق الرئاسي.
في الداخل، تستعد الكتل النيابية للقاء موسع غدًا يضم كتل "التوافق الوطني"، "الاعتدال"، "لبنان الجديد"، و"اللقاء التشاوري"، وتأتي هذه التحركات في ظل نشاط مكثف لقنوات التواصل بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، رغم الخلافات العميقة بينهما، ما يفتح الباب أمام احتمالات تعاون غير مسبوق في ملف الرئاسة.
على الصعيد الخارجي، برز الحضور الدبلوماسي اللافت مع زيارة وفد سعودي برئاسة الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت، حيث يعقد اجتماعات بعيدة عن الأضواء مع قيادات سياسية ودينية، ومن المقرر أن يصل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين غدًا للانضمام إلى الجهود الرامية لدفع الاستحقاق الرئاسي قدمًا.
في الأيام الأخيرة، ظهرت تسريبات إعلامية تتحدث عن صفقة محتملة بين "الثنائي الشيعي" ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، تتضمن طرح أسماء مثل جورج خوري، إلياس البيسري، وجان لوي قرداحي كمرشحين للرئاسة، ورغم استبعاد بعض المراقبين لجدية هذه التسريبات، إلا أن هذه الأسماء أثارت تساؤلات حول النوايا الحقيقية خلف الترويج لها، خصوصًا مع رفض واسع لهذه الخيارات من المعارضة ونواب مستقلين.
الأوساط السياسية تشير إلى أن هذه التسريبات قد تكون جزءًا من مناورات لحرق الأسماء واستباق أي توافق محتمل، خصوصًا في ظل غياب معطيات واضحة حول مواقف الكتل الأساسية، كما يُلاحظ تركيز الجهود الدبلوماسية الدولية على ضرورة انتخاب رئيس يتمتع بصفات تجمع بين الثقة الداخلية والقبول الخارجي، تجنبًا لمزيد من الانهيار في لبنان.
في هذا السياق، يبرز الحراك النشط على أكثر من صعيد، وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري التزامه بإبقاء الجلسة مفتوحة حتى انتخاب رئيس، مشددًا على ضرورة أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم في هذه المرحلة الحرجة.
النائب غسان سكاف أدلى بتصريح لافت بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، قائلًا: "سجلوا عندكم، في التاسع من كانون الثاني يجب انتخاب رئيس، وإلا فذاهبون إلى المجهول". وفيما يبدو أنه رسالة تحذير، يعكس هذا التصريح القلق المتزايد من استمرار الفراغ الرئاسي.
على خط آخر، تشير المعلومات إلى أن اجتماعات الكتل النيابية في اليومين المقبلين قد تؤدي إلى تضييق الخيارات وحصر المنافسة بين أسماء محددة، اسما جوزف عون وجهاد أزعور لا يزالان يتصدران بورصة الترشيحات، مع حديث عن إمكانية طرح اسم توافقي يحظى بدعم غالبية الكتل.
وتعكس زيارة الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت اهتمام المملكة العربية السعودية بملف الرئاسة اللبنانية، وفق مصادر مطلعة، تهدف الزيارة إلى تعزيز الحوار بين الأطراف اللبنانية وتقديم الدعم اللازم لضمان انتخاب رئيس يعيد الاستقرار السياسي إلى لبنان.
كما أن زيارة هوكشتاين، المعروف بدوره في الوساطات الدولية، تشير إلى رغبة أميركية في تسريع إنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتأثيراته على الداخل اللبناني.
في ظل هذا المشهد المعقد، يترقب اللبنانيون بحذر ما ستسفر عنه جلسة التاسع من كانون الثاني، فهل سينجح السياسيون والدبلوماسيون في تحقيق اختراق يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد ينهي حالة الفراغ؟ أم ستبقى البلاد رهينة المناورات والتعطيل، مما يطيل أمد الأزمة ويدفع لبنان نحو مزيد من التدهور؟ الإجابة قد تتضح خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث سيكون الجميع أمام اختبار حاسم لإرادتهم وقدرتهم على تجاوز الانقسامات لصالح مستقبل البلاد.