تشهد الساحة اللبنانية استنفارًا سياسيًا ودبلوماسيًا غير مسبوق مع اقتراب موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 9 كانون الثاني، وذلك لإنهاء فراغ رئاسي دام سنتين وشهرين، اذ تتسارع الخطى داخليًا وخارجيًا لضمان إنجاح هذا الاستحقاق، الذي يُنظر إليه كفرصة حاسمة لمعالجة الأزمة السياسية المستفحلة واستعادة الاستقرار في البلاد.
تعبئة داخلية ودولية
انطلقت التعبئة من جميع الاتجاهات مع اقتراب رأس السنة، إذ يعكف الفرقاء السياسيون على إجراء اتصالات وتحركات لتقريب وجهات النظر.
على الصعيد الخارجي، تحركت عواصم كبرى مثل باريس وواشنطن والرياض، مع ضغوط قوية من المجموعة الخماسية (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، وقطر) لدفع الأطراف اللبنانية نحو التوافق على رئيس جديد.
تتخلل هذه الجهود زيارات دبلوماسية مكثفة تشمل زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ومستشاره يزيد بن محمد آل فرحان، إضافة إلى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، حيث تسعى هذه الزيارات لإزالة العقبات أمام انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يحظى بدعم دولي متزايد، مع ضمان احترام التوازنات السياسية والطائفية داخل النظام اللبناني.
التحديات السياسية الداخلية
على الرغم من الحراك الخارجي المكثف، لا تزال الانقسامات الداخلية عقبة كبرى أمام تحقيق توافق نهائي حول مرشح واحد، فالتباينات بين الكتل النيابية تظل واضحة، خاصة مع غياب خطوات جدية للتنسيق بين القوى السياسية الرئيسية، وفي هذا السياق، تستعد كتلة "الجمهورية القوية" لعقد اجتماع حاسم برئاسة سمير جعجع لاتخاذ موقف نهائي، قد يتضمن إما ترشيحه شخصيًا أو دعم مرشح آخر بناءً على الاتصالات الجارية.
التزام الجلسة وانتظار الدخان الأبيض
من جانبه، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري تصميمه على عقد الجلسة في موعدها، مشددًا على ضرورة انتخاب رئيس خلال هذه الجلسة ولو تطلب الأمر إجراء دورات انتخابية متعددة، ومع ذلك، يظل مصير الجلسة معلقًا على مدى استعداد القوى السياسية لتقديم تنازلات تسهل الوصول إلى توافق.
الاستقرار جنوبًا وأولوية الإصلاحات
تزامنًا مع هذه الجهود السياسية، تسعى الأطراف الدولية لضمان الاستقرار جنوب لبنان في ظل الخروقات الإسرائيلية المستمرة، ويشدد حـ.ـزب الله على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، فيما تعمل قوات "اليونيفيل" ولجنة المراقبة على معالجة التوترات الميدانية.
تعتبر الدول المعنية بالملف اللبناني أن انتخاب رئيس توافقي هو الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات البنيوية المطلوبة، وإطلاق عجلة إعادة الإعمار، وبدء مباحثات لترسيم الحدود مع "إسرائيل"، بما يعزز استقرار المنطقة.
مستقبل الاستحقاق الرئاسي
مع بقاء عشرة أيام على موعد الجلسة، يظل السؤال مطروحًا حول قدرة الحراك الداخلي والخارجي على تجاوز العقبات الراهنة، وإنهاء الفراغ الرئاسي، فالأجواء الضبابية لا تخفي الأمل في نجاح هذه التحركات، خاصة مع الدعم الدولي المتزايد والرغبة الإقليمية والدولية في تحقيق اختراق سياسي كبير يعيد لبنان إلى مسار الاستقرار والتنمية.