رؤية الشرع للعملية السياسية ومستقبل سوريا بعد سقوط النظام

رزان الحاج

2024.12.29 - 02:40
Facebook Share
طباعة

 بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، طرحت القيادة السورية الجديدة، ممثلة بقائدها أحمد الشرع، رؤية شاملة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس حديثة وقانونية، مستعرضة أولوياتها في المجالات السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية، وجاءت هذه التصريحات عبر سلسلة من المقابلات الإعلامية.


إعادة بناء سوريا: رؤية شاملة
أكد الشرع أن سوريا تقف اليوم على أعتاب مرحلة تأسيسية غير مسبوقة، حيث يتم العمل على إعادة بناء القانون والنظام الإداري من الصفر، وشدد على أن هذه المرحلة تستلزم الكثير من الوقت والجهد لضمان تحقيق التحول الجذري.


وأشار إلى أن أولى الخطوات تتمثل في صياغة دستور جديد شامل يعبر عن تطلعات جميع السوريين، وهو ما قد يستغرق نحو ثلاث سنوات، على أن يتبع ذلك تنظيم انتخابات حرة ونزيهة قد تمتد تحضيراتها لأربع سنوات أخرى، وقال الشرع: "سوريا اليوم بحاجة إلى بناء دولة حديثة بكل معنى الكلمة، هذه ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورية لضمان مستقبل مستقر".


وأضاف أن تجربة إدلب، التي أظهرت إمكانية تحقيق إدارة محلية ناجحة، ليست بالضرورة نموذجًا كاملًا لسوريا، لكنها نواة يمكن البناء عليها لتطوير نموذج وطني أوسع، وأكد: "سندير المرحلة بعقلية الدولة، وليس بعقلية الفصائل أو الجماعات".


مؤتمر الحوار الوطني: منصة شاملة
أعلن الشرع أن مؤتمر الحوار الوطني سيكون جامعًا لمختلف مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الأقليات والطوائف والجماعات العرقية، وسيتم تشكيل لجان متخصصة تعمل على مناقشة الملفات الرئيسية، بما في ذلك العدالة الانتقالية، إعادة الإعمار، وتعزيز الهوية الوطنية.


وسيشهد المؤتمر تصويتًا يضمن تمثيل جميع الأصوات السورية، وهو ما يهدف إلى تحقيق توافق شامل بين مختلف الأطراف، وأوضح الشرع أن التحدي الأكبر هو ضمان مشاركة الجميع، من داخل سوريا وخارجها، في عملية إعادة بناء البلاد.


الإدارة المؤقتة: ضرورة المرحلة
ردًا على الانتقادات المتعلقة بالتعيينات الأخيرة في الحكومة المؤقتة، التي وُصفت بأنها "أحادية اللون"، أوضح الشرع أن المرحلة الحالية تتطلب انسجامًا داخليًا لضمان استقرار العمل الحكومي، وأضاف: "التعيينات ليست إقصاءً لأي طرف، بل هي جزء من استراتيجيتنا لتحقيق التوازن في هذه المرحلة الدقيقة".

وأشار إلى أن السوريين متعايشون بشكل طبيعي، وأن الشائعات حول وجود انقسامات داخلية لا تعكس الواقع الحقيقي على الأرض.


الأمن والعدالة: طريق نحو الاستقرار
على الصعيد الأمني، أعلن الشرع أن "هيئة تحـ.رير الشام" سيتم حلها بالكامل، وسيخضع كل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري للمحاسبة القانونية، وأكد أن العدالة الانتقالية ستكون ركيزة أساسية في بناء الثقة بين مختلف فئات المجتمع.

وأوضح أن الفصائل السورية حرصت خلال عملية تحرير البلاد على تقليل الخسائر البشرية ومنع النزوح الجماعي، مشيرًا إلى أن "تحرير سوريا لا يضمن أمنها الداخلي فقط، بل يعزز استقرار المنطقة والخليج لخمسين عامًا مقبلة".

وشدد الشرع على أهمية الدعم السعودي في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن للمملكة دورًا محوريًا في ضمان مستقبل سوريا.


القضايا الاجتماعية والثقافية
دعم الشرع التنوع العرقي والديني في سوريا، مؤكدًا أن البلاد ليست مهيأة لتكرار سيناريوهات دول أخرى مثل أفغانستان، وذلك بفضل ثقافتها التاريخية المتنوعة، وأشار إلى أن نسبة النساء في الجامعات بإدلب وصلت إلى 60%، مما يعكس الدور المحوري للمرأة في بناء سوريا الجديدة.

وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية الحساسة، مثل السماح بالكحول، أوضح أن هذه المسائل ستُترك للجنة الدستورية لتقررها بما يتماشى مع القيم السورية ومتطلبات المجتمع.


رفع العقوبات: ضرورة ملحة
في مقابلاته مع وسائل إعلام دولية، مثل "BBC" و"نيويورك تايمز"، دعا الشرع إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرًا أن هذه القيود تعرقل جهود إعادة الإعمار والتنمية، وقال: "سوريا بحاجة إلى استعادة قدرتها على التجارة والاستثمار لتتمكن من إعادة بناء بنيتها التحتية المنهكة".


رسائل للخليج والعالم العربي
أكد الشرع في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" أن الثورة السورية انتهت بسقوط النظام، وأن سوريا لن تكون مصدر قلق أو تهديد لأي دولة عربية أو خليجية، وأضاف: "نحن اليوم في مرحلة بناء الدولة، ونسعى لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية، سوريا تعبت من الحروب، ومن أن تكون منصة لصراعات الآخرين".


الأمم المتحدة ودورها المحدود
انتقد الشرع ضعف دور الأمم المتحدة في مساعدة سوريا، مشيرًا إلى أنها فشلت في إطلاق سراح أي معتقل أو إعادة لاجئ واحد، ومع ذلك، أشار إلى أن الشعب السوري أثبت قدرته على إنقاذ نفسه بنفسه، مما يعزز الثقة بقدرة السوريين على مواجهة التحديات المستقبلية.


رؤية مستقبلية
رأى الشرع أن سوريا لديها فرصة ذهبية لبناء دولة قوية ومستقرة تقوم على العدالة والقانون، وأكد أن الإدارة السورية الجديدة ستعمل على تحقيق تغييرات حقيقية وملموسة في حياة المواطنين، مع التركيز على إعادة الإعمار، تحسين الخدمات، وتعزيز الحريات.

واختتم الشرع حديثه بالقول: "الطريق طويل، لكننا سنصل إلى سوريا جديدة تعكس تطلعات شعبها وتضمن مستقبله".


ويرى محللون أن رؤية أحمد الشرع تُمثل خارطة طريق طموحة لإعادة بناء سوريا بعد سنوات من الحرب والدمار، وهي رؤية تنطلق من إدراك عميق لحجم التحديات التي تواجه البلاد. الشرع يُظهر تركيزًا واضحًا على إعادة بناء مؤسسات الدولة، بدءًا من صياغة دستور جديد يُؤسس لنظام سياسي شامل ومتوازن، مع ضمان إشراك كافة المكونات السورية في مؤتمر حوار وطني جامع.


يُعبر الشرع في حديثه عن محاولة لتحقيق توازن دقيق بين متطلبات المرحلة الانتقالية التي تتطلب قرارات حاسمة وسريعة، وبين الحاجة إلى تحقيق إجماع وطني مستدام يُمهّد لتثبيت الاستقرار على المدى الطويل. يبدو أن الشرع واعٍ بضرورة الانسجام الداخلي في المرحلة الحالية، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في تجاوز مخاوف بعض الأطراف من أن تكون التعيينات الأخيرة "إقصائية".


أمنيًا، يمزج الشرع بين الحزم والعدالة، حيث يؤكد على محاسبة من ارتكبوا الجرائم دون إغفال أهمية التخفيف من تداعيات النزاع على المدنيين. هذا الموقف يُظهر فهمًا لمسؤولية القيادة في تحقيق توازن بين العدالة والرحمة في مجتمع يعاني من انقسامات عميقة.


إقليميًا ودوليًا، تُبرز دعوة الشرع لرفع العقوبات الدولية وطلبه دعم الدول الخليجية توجهًا براغماتيًا يسعى لتحسين الوضع الاقتصادي وإعادة الإعمار، مع إدراكه لدور الفاعلين الإقليميين والدوليين في تحقيق الاستقرار. وفي الوقت نفسه، يحاول طمأنة دول الجوار بأن سوريا الجديدة لن تكون مصدر تهديد.


رؤية الشرع تُظهر التزامًا ببناء سوريا حديثة تقوم على أسس دولة القانون والمواطنة، لكنها تواجه تحديات هائلة في التنفيذ، بدءًا من إدارة الاختلافات الداخلية، وصولًا إلى التعامل مع آثار العقوبات والصراعات الإقليمية. إن نجاح هذه الرؤية يعتمد على قدرة القيادة السورية الجديدة على تحويل هذه الأفكار إلى واقع ملموس يُعيد الأمل للسوريين ويُعيد البلاد إلى مكانتها كدولة مستقرة ومزدهرة في المنطقة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4