نشرت صحيفة التايمز البريطانية تحقيقًا مستفيضًا اعتمد على آلاف الوثائق السرية التي تم الحصول عليها من أرشيف الأجهزة الأمنية السورية، تقدم هذه الوثائق صورة مرعبة عن حجم التجسس والقمع الذي مارسه نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ليس فقط على معارضيه، بل حتى على المقربين منه.
التحقيق كشف عن شبكة مراقبة شاملة، تتغلغل في كل مناحي الحياة اليومية في سوريا، من المدارس إلى المنازل، ومن العائلات إلى الإنترنت، لتظهر حجم الارتياب الذي هيمن على النظام واستبد به حتى داخل عائلة الأسد نفسها.
شبكة تجسس بلا حدود
تُظهر الوثائق أن النظام السوري، منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2011، استخدم مجموعة واسعة من الأدوات الأمنية للتجسس على المواطنين. شملت هذه الأدوات:
التنصت على الهواتف: مراقبة المكالمات الهاتفية الشخصية والرسمية.
اختراق أجهزة الكمبيوتر: الوصول إلى البيانات الخاصة وتحليلها.
التجسس الميداني: إرسال مخبرين لمراقبة الأشخاص المستهدفين في حياتهم اليومية.
هذه الشبكة الضخمة، التي وصفتها الصحيفة بـ"غير المسبوقة"، جمعت كميات هائلة من المعلومات، وبينما كانت بعض المعلومات ذات أهمية استخباراتية عالية، فإن كثيرًا منها كان مملًا أو بلا قيمة، لكن الهدف الأساسي كان خلق حالة من الخوف والارتياب تمنع أي تحرك ضد النظام.
أفراد عائلة الأسد تحت المراقبة
في مفاجأة كبيرة، كشفت الوثائق أن التجسس لم يقتصر على المواطنين أو المعارضين السياسيين فحسب، بل امتد ليشمل أفراد عائلة الأسد أنفسهم، و تُظهر الوثائق كيف انخرط أفراد العائلة في مراقبة بعضهم البعض، في مشهد يعكس حالة من انعدام الثقة حتى في أقرب الدوائر للنظام.
هذا السلوك يعكس طبيعة النظام القائم على الشك والارتياب، حيث لا يُسمح بأي هامش للثقة، حتى بين الحلفاء أو داخل العائلة الواحدة.
قمع الأطفال والمدارس: التربية تحت المراقبة
لم يسلم الأطفال في المدارس من قبضة النظام الأمنية، اذ كشفت إحدى الوثائق حادثة اعتقال صبي يبلغ من العمر 12 عامًا في مدينة حمص بسبب تمزيقه ورقة تحمل صورة الرئيس السوري.
تُفصّل الوثائق كيف تصاعدت الحادثة، بدءًا من اكتشاف الورقة في سلة المهملات بواسطة معلم، مرورًا بإبلاغ المشرف في المدرسة، وانتهاءً بإحالة القضية إلى المخابرات السياسية.
الأمر لم يقتصر على هذه الحادثة فقط، حيث أظهرت الوثائق أن النظام استخدم المدارس كمصدر لجمع المعلومات، حيث تم تجنيد بعض المعلمين والتلاميذ للإبلاغ عن زملائهم، وأدى هذا إلى خلق مناخ من الخوف حتى داخل الصفوف الدراسية، حيث بات الجميع تحت أعين النظام.
ملاحقة المعتقلين حتى بعد الإفراج عنهم
واحدة من أخطر الأساليب التي وثقتها الوثائق هي استمرار الرقابة على المعتقلين بعد الإفراج عنهمـ فتم تتبع هؤلاء من خلال مخبرين مكلفين بمراقبة تحركاتهم، تفاعلهم مع المجتمع، وحتى نشاطاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
تؤكد الوثائق أن الهدف كان منع أي محاولات محتملة لإعادة التنظيم أو الانخراط في أنشطة معارضة، ما يعكس نهجًا مستمرًا لإحكام القبضة الأمنية على كل من يُشتبه به.
نظام الأمن: شبكة من الشك والارتياب
تُظهر الوثائق كيف بُني النظام الأمني في سوريا على مفهوم الشك، ليس فقط تجاه المعارضين السياسيين، بل تجاه الجميع، واستخدمت الأجهزة الأمنية وسائل مراقبة متطورة وواسعة النطاق، أدت إلى اختراق الحياة الشخصية للمواطنين، حيث لم يكن هناك مكان آمن من أعين النظام.
دروس من الوثائق: انهيار الثقة في المجتمع
أبرز ما تكشفه الوثائق هو الدور المدمر الذي لعبته هذه الشبكة الأمنية في تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وأدى استخدام النظام للمخبرين داخل المجتمع إلى خلق أجواء من الخوف وعدم الثقة، حيث بات الأصدقاء، الزملاء، وأفراد العائلة مشكوكًا في ولائهم.
تحليل التايمز: القمع في صميم النظام
وصفت صحيفة التايمز هذه الوثائق بأنها دليل واضح على طبيعة النظام السوري، الذي اعتمد على القمع الممنهج كأداة رئيسية للحفاظ على السيطرة، لم تكن هذه الوسائل مجرد رد فعل على الاحتجاجات، بل كانت جزءًا أصيلًا من بنية النظام، الذي استخدم الخوف كأداة أساسية للبقاء في السلطة.
خلاصة المشهد
تكشف هذه الوثائق عن حجم التجاوزات والانتهاكات التي مارسها نظام الأسد على مدى سنوات، من مراقبة الأطفال في المدارس إلى التجسس على أفراد العائلة الحاكمة، تثبت هذه التسريبات أن النظام كان مستعدًا لفعل أي شيء للحفاظ على قبضته على البلاد، هذه التفاصيل تسلط الضوء على طبيعة الحكم في سوريا، الذي حول البلاد إلى شبكة من التجسس والرقابة، مما أدى إلى تآكل الثقة بين الأفراد وخلق بيئة من الخوف المستمر.