تشهد الساحة اللبنانية تصعيداً سياسياً وأمنياً يفرض تحديات حاسمة تتعلق باستحقاقين رئيسيين: الجلسة الانتخابية الرئاسية المقررة في 9 يناير المقبل، وانتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار مع "إسرائيل" في 27 يناير. هذان الاستحقاقان يترابطان بشكل وثيق، إذ إن تداعياتهما ستحدد ملامح المرحلة المقبلة للبنان على المستويات السياسية والأمنية.
الملف الرئاسي: بين الغموض والمراهنات
مع اقتراب موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، تتكثف التحركات السياسية لتضييق دائرة التنافس بين المرشحين، ورغم هذا الحراك، لا تزال الساحة اللبنانية تشهد حالة من الغموض في ظل عدم اتفاق القوى السياسية الكبرى على مرشح توافقي، ويبدو أن جلسة 9 يناير قد تشكل نقطة حاسمة للخروج من حالة الفراغ الرئاسي المديدة، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة بشأن إمكانية انتخاب رئيس جديد بسبب تعدد الأسماء المطروحة.
زيارة قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى السعودية أثارت اهتماماً واسعاً، حيث اعتُبرت مؤشراً على انخراط إقليمي في الملف الرئاسي، خصوصاً في ظل الدور البارز للرياض في هذا السياق. في حين أن اللقاءات التي أجراها عون مع المسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، سلطت الضوء على أهمية دور الجيش اللبناني والتعاون المشترك في هذه المرحلة الدقيقة.
على الجانب الآخر، يسود ترقب لموقف المعارضة، التي تفضل تأجيل الإعلان عن مرشحها إلى حين بلورة توافق داخلي أوسع، ويتوقع أن تحمل الأيام الأولى من السنة الجديدة تطورات حاسمة في هذا الملف، مع إمكانية غربلة الأسماء المطروحة وحصر المنافسة في شخصيات محددة.
التحديات الأمنية جنوباً: انتهاكات إسرائيلية متواصلة
فيما يقترب انتهاء مهلة الستين يوماً لاتفاق وقف إطلاق النار، تصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية، حيث شملت عمليات توغل وغارات جوية في مناطق مختلفة، أبرزها وادي الحجير وبلدة قوسايا البقاعية، هذه الخروقات تمثل تصعيداً خطيراً يهدد استقرار المنطقة الحدودية ويضع لبنان أمام استحقاق أمني حساس.
"إسرائيل" تبرر خروقاتها ببطء انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، متذرعة بوجود "حـ.ـز. ب الله" في المنطقة. في المقابل، يسعى لبنان إلى تكثيف الجهود مع الأمم المتحدة للضغط على "إسرائيل" لوقف هذه الانتهاكات والالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية.
المعادلة الإقليمية والدولية: تأثيرات محتملة
وسط هذه التحديات، تتداخل العوامل الإقليمية والدولية بشكل واضح، فإن زيارة الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين إلى بيروت، في حال تمت، قد تحمل رسائل مهمة بشأن التزام الأطراف المعنية باتفاق وقف النار، كما أن الدور السعودي يُبرز احتمال تأثير متغيرات إقليمية على المشهد اللبناني.
على المستوى الدولي، يبدو أن هناك توافقاً على ضرورة منع لبنان من الانزلاق نحو مزيد من التأزم، خصوصاً في ظل إصرار المجتمع الدولي على تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسيادة لبنان واستقراره.
خلاصة: سباق مع الزمن
بين استحقاق انتخاب رئيس جديد واستحقاق ضبط الحدود الجنوبية، يعيش لبنان سباقاً مع الزمن، فالأيام المقبلة تحمل في طياتها إمكانيات حاسمة، سواء على صعيد تحديد مصير الرئاسة أو التعامل مع التحديات الأمنية. في ظل هذه التطورات، يبقى الأمل معقوداً على تكاتف القوى السياسية وإرادة المجتمع الدولي لدعم استقرار لبنان وإبعاده عن شبح التصعيد.