الاحتلال والمرحلة الجديدة في سوريا

رامي عازار

2024.12.12 - 09:21
Facebook Share
طباعة

 مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، دخلت المنطقة مرحلة تحول عميقة سياسيًا وأمنيًا، حيث تتنافس القوى الإقليمية والدولية على إعادة تشكيل خارطة النفوذ، وإعادة صياغة العلاقات مع النظام السوري الجديد. في هذا السياق، برز الاحتلال الإسرائيلي كلاعب محوري يتحرك عبر أدوات عسكرية ودبلوماسية لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز مجرد حماية أمنه القومي.

 

أهداف الاحتلال الإسرائيلي بعد سقوط الأسد

أولا: استعراض القوة وترسيخ النفوذ
لم تقتصر الغارات الإسرائيلية المتكررة على استهداف المواقع الإيرانية أو مخازن الأسلحة فحسب، بل جاءت ضمن استراتيجية أعمق تهدف إلى فرض معادلات أمنية جديدة، وضمان تأثيرها على ملامح النظام السوري المقبل.
تسعى "إسرائيل" إلى ترسيخ دورها كلاعب رئيسي في رسم مستقبل سوريا، من خلال استباق الأحداث وفرض أجندة تحقق مصالحها طويلة الأمد، وتشمل هذه الأجندة منع بناء قوة عسكرية سورية جديدة قد تشكل تهديدًا مستقبليًا، وضمان أن النظام القادم أكثر تقبلًا للتعايش وفق الشروط الإسرائيلية.


ثانيا: تدمير القدرات العسكرية السورية
كان الجيش السوري قبل عام 2011 من أقوى الجيوش في المنطقة، مدعومًا بتعاون طويل الأمد مع روسيا والاتحاد السوفييتي سابقًا، وامتلك الجيش ترسانة ضخمة تضمنت دبابات متطورة مثل T-90، منظومات دفاع جوي مثل S-200، وطائرات مقاتلة متنوعة، لكن مع اندلاع الثورة، تعرضت هذه القدرات للاستنزاف بفعل الانشقاقات والخسائر الميدانية.

أدركت "إسرائيل" أهمية تدمير ما تبقى من هذه القدرات لضمان عدم عودتها كعامل تهديد، واستهدفت الغارات الإسرائيلية مواقع استراتيجية مثل مخازن الصواريخ، مراكز البحث العلمي، ومنظومات الدفاع الجوي، بهدف منع إعادة بناء الجيش السوري.


حملة عسكرية موسعة

تصعيد الغارات الجوية
بعد انهيار النظام في ديسمبر 2024، شن الاحتلال حملة عسكرية واسعة النطاق، استهدفت فيها أكثر من 300 موقع داخل سورياو ركزت هذه الحملة على تدمير مخازن الأسلحة وقواعد الصواريخ التي قد تستغلها الفصائل المسلحة.


توسيع السيطرة الميدانية
ترافقت الهجمات مع توسيع النفوذ الإسرائيلي في المناطق الحدودية، بما في ذلك المنطقة العازلة التي أُنشئت بموجب اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، وتعتبر "إسرائيل" أن انهيار الجيش السوري يجعل الاتفاق غير ذي صلة، ما يمنحها ذريعة لفرض وقائع ميدانية جديدة.


أبعاد التحركات الإسرائيلية

فرض قواعد اشتباك جديدة
تسعى إسرائيل إلى تحديد شكل العلاقة مع النظام السوري الجديد عبر سياسة "النيران أولاً"، وتهدف هذه السياسة إلى تثبيت خطوط حمراء واضحة تمنع أي تحرك سوري مستقل يعارض المصالح الإسرائيلية.


اختبار القيادة الجديدة
تعمل "إسرائيل" على قياس ردود فعل النظام السوري الجديد لمعرفة مدى استعداده للتصعيد أو التماهي مع الأجندة الإسرائيلية، ويشكل هذا الاختبار أداة لتحديد طبيعة العلاقة المستقبلية.


خلق واقع يخدم الرؤية الإسرائيلية
بالإضافة إلى الأهداف العسكرية المباشرة، تسعى "إسرائيل" إلى ترسيخ مكاسب طويلة الأمد، بما في ذلك تعزيز سيطرتها في الجولان المحتل وحرمان سوريا من أي فرصة لاستعادة توازنها العسكري.


التحديات أمام القيادة السورية الجديدة

إعادة بناء السيادة
تواجه القيادة السورية الجديدة تحديًا كبيرًا يتمثل في حماية ما تبقى من مقدرات الجيش السوري واستعادة زمام المبادرة سياسيًا وعسكريًا. يتطلب ذلك موقفًا واضحًا تجاه الاحتلال الإسرائيلي والتمسك بحقوق السيادة الوطنية.


التعامل مع المجتمع الدولي
تحتاج القيادة الجديدة إلى إدارة علاقاتها الدولية بحذر لضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الإقليمية والدولية.


الخلاصة
تعكس التحركات الإسرائيلية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد استراتيجية شاملة تهدف إلى ضمان تفوقها الإقليمي، وفرض رؤية تخدم مصالحها الأمنية والسياسية، بينما تحاول القيادة السورية الجديدة استعادة الاستقرار، تواجه اختبارًا مصيريًا لتحديد موقفها من الاحتلال الإسرائيلي ورسم ملامح دورها في النظام الإقليمي.

يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح القيادة السورية الجديدة في التمسك بسيادة وطنها، أم أنها ستقبل بالواقع الذي تسعى إسرائيل لفرضه؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل سوريا وموقعها في الشرق الأوسط الجديد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 7