لا بدّ أنّ تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب عن عزمه إنهاء الوجود العسكري في سوريا سوف تخلق متغيّرات جديدة في المنطقة الشرقيّة والشماليّة الشرقيّة من سوريا، وهذا ما أكّده الرئيس أردوغان في آخر تصريح له، وهو تأكيد عزم واستعداد تركيا لملء الفراغ الأمني الذي سيحدثه هذا الانسحاب على الساحة هناك، طالما أن الدولة السوريّة -بنظره- قاصرة عن ضبط الوضع، وطالما أنّ الرئيس السوري لا يستجيب لدعوت التطبيع مع الرئاسة التركيّة.
وذكرت وكالة الأناضول التركية يوم الأربعاء، أنّ أردوغان علق في بيان صحفي قائلاً: “تركيا مستعدة للتعامل مع الواقع الحالي والوضع الجديد الذي سيخلقه الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا، مع وضع أمننا القومي قبل كل شيء آخر”.
وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية منظمة “إرهابية” وتعتبر وجودها في شمال شرقي سوريا تهديدا لأمنها القومي، وفي هذا الصدد، قال أردوغان: “نحن عازمون على جعل الإرهاب شيئا من الماضي، ولن نتسامح مع المنظمات التي تهدد تركيا من خارج حدودنا”.
وبعد يوم واحد من فوز ترامب، أكد أردوغان عزمه مناقشة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مع الرئيس المنتخب حديثاً دونالد ترامب.
وعقب هذا التصريح ألمح أردوغان إلى إمكانية إطلاق عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا. وقال: “دعونا ننظر إلى منطقة القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. لماذا نتخذ الخطوات اللازمة مع قواتنا الأمنية في القامشلي؟ لأننا نقول: دعونا ندمر جذور هذا التنظيم الإرهابي (حزب العمال الكردستاني – وحدات حماية الشعب الكردي السوري) هناك. لقد حققت قواتنا واستخباراتنا تقدما كبيرا وحققت نتائج جيّدة للغاية هناك”.
ولم تستبعد التقديرات احتمال أن يفكر ترامب في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً ترجمته صحيفة القدس العربي، أشارت فيه إلى أن ترامب لا يزال يهدف إلى سحب نحو 900 جندياً من سوريا، وأضافت: “ليس من المستبعد أن يعيد ترامب النظر في سياسة أمريكا تجاه سوريا”.
كما أكدت تقارير مسربة من دبلوماسيين مقربين من ترامب أنه يميل إلى فكرة سحب القوات الأمريكية من سوريا.
هذا وإنّ تصريحات أردوغان السابقة كانت تدعوا للتنسيق فيما بين الحكومة التركيّة والسوريّة بخصوص تسليم المواقع التي يخليها الجيش التركي في سوريا للجيش السوري تباعاً، غير أنّ هذا الطّرح لم يلق حماساً سوريّاً حتّى الآن لعدّة أسباب، أهمّها عدم جديّة الجهة التركيّة في تنفيذ الاتفاقات السابقة التي تمّ إبرامها في إطار اتفاق أستانة بشأن فتح طريق M4 وبالتالي فإنّ جميع التصريحات التركيّة هي مجرّد ذرٌ للرماد في العيون بنظر الحكومة السوريّة، وكذلك فإنّ لا مؤشّرات حقيقيّة تدلل على النيّة التركيّة في الانسحاب فعليّاً من الأراضي السوريّة، وهذا التصريح الأخير يعزز المخاوف السوريّة بهذا الشأن، وأخيراً فإنّ تركيا لم تقرر بعد التخلّي عن حلفائها من الفصائل المتشددة المسلّحة التي تتخذ من مدينة إدلب وريفها معقلاً لها، وهي ليست معنية -حتى الآن- بمحاصرتها وتجفيف منابع تمويلها وتسليحها، الأمر الذي يجعل أفق التطبيع مع الحكومة السوريّة بعيداً جداً، وهذا ما ظهر جلياً خلال القمّة العربية والإسلاميّة الاستثنائيّة الأخيرة في الرياض.