ربّما يجد بعض السذّج هذا العنوان صادماً، أو مبالغاً فيه، أو يعبّر عن سطحيّة في التحليل، وسحب للأمنيات على الوقائع، الى آخر ما هنالك من طقاطيق يشنّف بها الصهاينة العرب أسماعنا، ويبهرجون عيوننا، إلا أننا اليوم سنحلل وإيّاكم ما جاء في صحيفة الصهاينة الأبرز، وعلى لسان عميد صحفييهم الكاتب الصهيوني آري شابيط، الذي كتب في صحيفة “هآرتس” العبرية: "إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة".
وآري شابيط هذا ليس صهيونيّاً عاديّاً، بل هو من أشدّ المتعلّقين بالحلم الصهيونيّ، وعلينا أن نذكر أيضاً أنّه ليس الأوّل الذي كفر بإيمانه، فقد سبقه العديد من المفكّرين والعلماء وعلى رأسهم روجل ألفر الذي أعلن سابقاً: "أنّ على الإسرائيليين مغادرة البلاد فوراً".
نعود إلى تاريخ سابق، وهو ليس ببعيد، إنّه العام 2006، وبالتحديد يوم 14 آب، حين تم إعلان وقف العمليّات العدائيّة من قبل "إسرائيل"، وفتحت الحدود السوريّة لتتدفّق أمواج الصّامدين من كلّ نقطة في سوريا ولبنان إلى الجنوب والضاحية، يومها أعلن سيد شهداء المقاومة رضوان الله تعالى عليه الانتصار، وضحك على هذا الكلام الكثير من المتخاذلين العرب وأنصاف الرّجال.
ذاك التّاريخ بالتحديد هو بداية النهاية لهذا الكيان، وبالفعل فقد انهار جيشهم انهياراً كاملاً على أطراف وادي الحجير ومارون الراس والعديسة وكفركلا، وهذا ما أكدّته لجنة "فينوغراد"، والتي لا يريد الصهاينة العرب، الذين "شبعوا من الانتصارات!" تصديقها، كان الوضع عصيباً على الكيان، وتوحّد العرب والمسلمون يومها خلف قيادة شخص معمم اسمه السيّد حسن نصر الله، فحتّى الأخوان المسلمون في مصر أعلنوا نصرتهم واستعدادهم لمدّ الحزب بآلاف المقاتلين وهو ما كلّف مرشدهم العام آنذاك محمد مهدي عاكف منصبه ومن ثمّ حياته.
هذا الأمر أربك الصهاينة في كلّ من تل أبيب وواشنطن أيّما إرباك، فقد ذهبت مخططاتهم لعقود أدراج الرّياح، فلا احتلال العراق وأفغانستان، ولا اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا اتفاقيّات الذّل والعار التي لفّت دول الطوق باتت تساوي شيئاً أمام حجم الانتصار الهائل الذي سطّره رجال مؤمنون بسطاء لم يدخلوا معاهد عسكريّة في ويست بوينت ولا في هرتسيليا، بل من مدرسة حزب الله والإيمان بالله والوطن، يقودهم زعيم شاب ضحّى، وسيضّحي بأغلى ما يملك في سبيل حلمه.
لم يكن الأمر سهلاً، وتخبّط الصهاينة تخبّطاً هائلاً، وبدأت الهجرة المضادّة، إلا أنّ خبثاء بني صهيون قالوا يومها: "علينا تمديد الوقت للكيان بأي شكل، لن ندعه ينهار الآن فجأة، نريد عشرين عاماً على الأقل حتّى نجهّز خطةً بديلة"، وحصلت اجتماعات مكوكيّة عديدة، فكان الاقتراح الخليجي الذي قدّمه بندر بن سلطان للإدارة الأمريكيّة هو العرض الأنسب، وبدأ التحضير سريعاً للربيع العربي، الذي كان مصل الحياة للكيان لعشرين عام المطلوبة، وكان بالفعل خطّة عبقريّة تلقّفتها الجماهير المتعطّشة للنصر، فكانت الجماهير ذاتها التي هتفت باسم "نصر الله"، هي ذاتها التي هتفت بسقوط الأنظمة المهترئة.
امتصّت أهمّ الأنظمة المستهدفة الصدمة، ودفع الشعب العربي أثماناً باهظة، وغطّ في نومٍ طويل لمدّة اثني عشر عاماً متواصلة، لدرجة أنّ قادة الصهاينة أوقفوا التفكير في الخطّة البديلة لتي عملوا عليها بجديّة من العام 2006 وحتّى العام 2010، إلى أنّ أوقظهم منبّه ربطه ثائر حقيقي اسمه محمّد الضيف، وتبنّاه زعيم شعبيّ آخر اسمه يحيى السنوار، فكان العبور العربيّ الثاني، وكان السابع من أكتوبر 2023، الذي أعاد الجماهير العربيّة لسكّتها الصحيحة من جديد، وأوقف تدفّق السائل في مصل الكيان، وجعله عرضة للزوال السريع من جديد.
منذ تاريخ العبور الثاني، وظهور عورة الكيان الكذبة للمرة الثانية، والإسرائيليّون يتجرّعون طعم الهزيمة المُرّة للمرّة الثانية، الأمر بات واضحاً الآن، لم يعد ينفع مع الكيان الميّت أيّ مصل، لقد حان وقت الانهيار التّام.
نعود الآن لما قاله شابيط في مقاله: "لقد انتهى الأمر، عليك أن تقول وداعًا لأصدقائك وتنتقل إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس، من هناك، من أراضي القومية الألمانية المتطرفة الجديدة، أو من أراضي القوميّة الأميركيّة المتطرفة الجديدة، لا بد من النظر بهدوء ومراقبة "دولة إسرائيل" وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة".