تعربد الطائرات الإسرائيليّة في المنطقة دون رادع أو وازع، وتعتبر القوّات الجويّة الإسرائيليّة الذراع الطويلة للكيان الذي تعاقب وتستهدف به كلّ من تشتبه به، أو يعكّر صفوها، وهي تضرب حيث تشاء، وتمكنّها تقنيّات التهرّب من المضادات الأرضيّة والجويّة، حتّى أنّها تجرّأت وضربت إيران مؤخّراً دون أن يسقط لها طائرة واحدة، فهل هذا كلّ شيء؟
تتوالى الضربات الإسرائيليّة على العاصمة السوريّة دمشق، وعلى كافّة الأراضي السوريّة منذ أكثر من عقدٍ من الزّمان، تحت ذرائع متعددة، منها ضرب أذرع إيران في سوريا، وعلى رأسها مقاتلي حزب الله المنتشرين في سوريا، وكذلك الفصائل الفلسطينيّة المتواجدة فيها، وأخيراً المستشارين العسكريين الإيرانيين الذين يقدّمون الدّعم للجيش السوري منذ بداية الحرب الدوليّة على سوريا تحت مسمّى الربيع العربي، هذا وقد قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية إن إسرائيل شنت غارتين جويتين على الأقل على حي غربي دمشق وإحدى ضواحي العاصمة يوم الخميس، مما أسفر عن استشهاد 15 شخصا على الأقل وإصابة 16 آخرين.
وقالت وكالة الأنباء السورية سانا إن الغارات الجوية على حي المزة في دمشق وقدسيا شمال غرب العاصمة أصابت مبنيين. وقال صحفي في وكالة أسوشيتد برس في مكان الحادث في المزة إن مبنى من خمسة طوابق تضرر بصاروخ أصاب الطابق السفلي، بينما قال جيش الاحتلال الإسرائيلي: "إنّه ضرب مواقع البنية التحتيّة، ومراكز القيادة التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في سوريا وألحق أضرارا كبيرة بمركز قيادة المنظّمة الإرهابية ونشطائها".
وجاءت الضربات الجوية في دمشق وقدسيّا المجاورة قبل وقت قصير من اجتماع علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة علي خامنئي في العاصمة السورية مع ممثلي الفصائل الفلسطينية في السفارة الإيرانيّة في المزة.
ويقول جيش الاحتلال الإسرائيلي: إن حركة الجهاد الإسلامي شاركت إلى جانب حماس، في هجمات 7 أكتوبر 2023 على جنوب "إسرائيل" والتي أسفرت عن مقتل حوالي 1200 شخص – معظمهم من المدنيين – واختطاف 250 آخرين في غزة.
وأضاف البيان: "انّ الجيش "سيواصل العمل ضد منظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية حيثما كان ذلك ضروريا".
وذكرت الأسوشيتد برس عن مسؤول في حركة الجهاد الإسلامي لم يُكشف عن اسمه، "إن الغارة في المزة استهدفت أحد مكاتبهم، وإن عددا من أعضاء الجماعة استشهدوا".
هذا وتهدف الضربات الإسرائيليّة الأخيرة وفق هذه الوتيرة العالية والمتصاعدة -بحسب محللين استراتيجيين- إلى الضغط على القيادة السوريّة لوقف طريق الإمدادات المستمر إلى حزب الله، وجاء التهديد المباشر على لسان وزير الحكومة الإسرائيلية وعضو مجلس الوزراء الحربي، جدعون سار، الذي هدد الرئيس السوري بشار الأسد في 27 أكتوبر، محذرًا من أنه سيكون "في خطر" إذا استمرت بلاده في العمل "كقناة" لحركة المقاومة اللبنانية حزب الله.
وتمرّ سوريا بظروف عصيبة خلقها الحصار الجائر المستمر، وأزمة اقتصاديّة تعصف بالبلاد بعد حرب طويلة تصدّت فيها سوريا لأشرس هجمة دوليّة في تاريخ العصر الحديث، وإنّ استمرا القصف هذا قد يخلق مناخاً إضافيّاً من التململ والابتعاد ضمن الأوساط الشعبيّة عن الثوابت التي تتمسّك بها القيادة السوريّة، فبين معارضٍ لاستمرار دعم الحركات المولية لإيران، وإخراج سوريا من دورها المحوري الممانع، طمعاً بوعود السلام التي لم تطعم مصر ولم تغنها من جوع، وبين دماءٍ حامية تريد من سوريا أن ترد بصواريخها الباليستيّة على تل أبيب لتوقفها عند حدّها.
ويقول محللون: "إنّ الرئيس السوري الذي بدا واضح الموقف في القمّة العربيّة والإسلاميّة غير العادية التي انعقدت مؤخّراً في الرياض، لن يتراجع عن موقفه في دعم المقاومة ضد العدوّ الإسرائيلي، ولن يكون في زمرة المطّبعين طالما هناك احتلال للأراضي العربيّة"، كما أنّ الوضع الطبيعي في معركة شاملة كالتي تجري منذ السابع من أكتوبر 2023، أن تتعرّض سوريا للقصف، وهي التي بنت شراكات بنيويّة على مدى عقود مع حركات المقاومة في المنطقة، ولا يجوز هنا لمن يتساءل عن الرّد السوري، أن يصوّر الأمر على أنّ سوريا متقاعسة في الدّفاع عن أرضها، بل إنّ الصورة الحقيقيّة للوضع، هي أنّ "إسرائيل" هي التي ترد على سوريا، وليس أيّ شيء آخر.