إن سياسة الاحتواء الأميركيّة التي استمرت لعقود من الزمن، والتي كانت تهدف إلى إشراك وإصلاح روسيا قد فشلت بحسب الواشنطن بوست، ـالتي نشرت دراسة مطوّلة عن السمّات الأساسيّة لعهد ترامب الجديد في التعامل مع الخطر الروسي، هذه الدراسة أشارت إلى أنّه: "بدءاً من التفاؤل غير المبرر في التسعينيات بشأن مسار روسيا إلى التحول إلى ديمقراطيّة رأسماليّة ذات ميول غربيّة، مروراً بالخطوات الخاطئة وعمليات إعادة الضبط الفاشلة التي طبّقتها الإدارة الأمريكيّة حين غزا بوتين جورجيا في عام 2008، وحين ضمّ شبه جزيرة القرم، ونشر قوات سريّة في شرق أوكرانيا في عام 2014، وتدخل في الانتخابات الأمريكية في عام 2016"، وذلك بحسب الدّراسة.
تقول الدراسة أيضاً: "أنّه بينما يعمل بوتين على بناء مجتمع روسي عسكري موجه لمواجهة الغرب لعقود من الزمن، من خلال تجديد نظام التعليم، واحتكار الثقافة، وإعادة تشكيل أدوار المرأة وتلقين الشباب، فإنه يتباهى بانتظام بانتصاره في أوكرانيا الذي من شأنه أن يشير إلى هزيمة القوة العالمية الأميركية".
إن هدف بوتين المتمثل في إضعاف الولايات المتحدة من خلال اتخاذ تدابير عالميّة عدوانية عبر "المجالات النفسية العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والمعلوماتية"، و"حملات إعلامية هجومية"، تم توضيحه في وثيقة سرية للسياسة الخارجية الروسية نشرتها صحيفة واشنطن بوست. في أبريل الماضي.
وعليه فإنّ ترامب سيبادر في تدعيم السياسة الحاليّة لبايدن، وسيدعم أيّ حركات مناهضة لروسيا، ولبوتين، وقد أوردت الدراسة كلاماً للرئيس البولندي السابق ألكسندر كواسنيفسكي، يقول فيه: "إنّ هوسه “الإمبريالي” بإعادة خلق روسيا كقوة عظمى يسيطر على بوتين، وهذا يعني أننا أقرب إلى الحرب"، وأشار كواسنيفسكي، الرئيس البولندي السابق، إلى أن المعركة تشتمل أيضاً على عنصر إيديولوجي، نظراً لادعاء بوتن بأنه منقذ القيم المحافظة التقليدية ضد ما يسميه الغرب المنحط. وقال كفاسنيوسكي: "إنه يؤمن بشدة بدوره كحامي لهذه القيم المحافظة التقليدية".
وقال ميخائيل خودوركوفسكي، الرئيس السابق لشركة يوكوس للنفط والذي أصبح الآن شخصية الذي سُجن لمدة 10 سنوات في روسيا بدءاً من عام 2003: "إن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الغرب كان الفشل في هزيمة روسيا في الأشهر الستة الأولى من حرب أوكرانيا".
ووصفت إيفغينيا كارا مورزا، الناشطة المعارضة بوتين بأنه "متنمر و" سيهاجم المزيد من البلدان إذا سُمح له بتقديم نفسه كمنتصر في الحرب"، وحثت كارا مورزا الغرب على دعم المعارضة الروسية، التي قالت إنها يجب أن "تنزع زومبي السكان الذين تعرضوا لغسيل دماغ".
كما سيسعى ترامب أيضًا إلى تعزيز الدفاعات الغربيّة ضدّ الاستفزازات الروسيّة، بشتّى الوسائل، ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات -بحسب الدراسة- فرض العقوبات بشكل أكثر صرامة، وردع الصادرات المستخدمة في الإنتاج العسكري الروسي، وخفض أسعار النفط للضغط على الاقتصاد الروسي، وربّما توفير التدريب والأسلحة للدول الضعيفة، بما في ذلك جورجيا ومولدوفا.
وأخيراً فإنّ ترامب سيفرض المزيد من العقوبات والمقاطعة الدبلوماسيّة لروسيا، مع الحفاظ قدر الإمكان على الرّقابة الدوليّة التي تفرضها المنظّمات الدوليّة المعنيّة بمراقبة سباق التسلّح، وكذلك الإبقاء على المعاهدات التي وافقت فيها روسيا على خفض ترسانتها النووية، وذلك رغم أنّ الوقائع أثبتت عدم نجاح العقوبات الغربيّة في شل الاقتصاد الروسي، ويدعو كثيرون مرة أخرى إلى مثل هذا النهج، مقتنعين بأن أي قدر من الضغوط أو الدبلوماسية الغربية لن يغير مسار روسيا.
في النهاية تخلص الدراسة أنّ ترامب ومن وراءه الغرب لا يملك اليوم سوى أدوات قليلة للتأثير على الكرملين، وأنّ سياسة ترامب الجديدة لن تكون فعّالة إلى الحدّ المؤثّر في كبح جماح روسيا، وثنيها عن متابعة مشاريعها التوسّعيّة على حساب الغرب.