أولاً: يتّضح أن ترامب سيعمل على عزل إيران والإضرار بها، وإنْ كانت التقديرات تشير إلى أنه سيكون حذراً إزاء التسبّب في مواجهة عسكرية شاملة معها، ما يعني أن على إسرائيل أن لا تتوقّع «السماح لها» بمقاربة عدائية تتسبّب في هكذا مواجهة. ومواجهة ترامب لإيران ستكون عبر تفعيل سياسة «الضغوط القصوى» التي من شأنها أن تتسبّب في عزلتها دولياً، كما كانت عليه الحال في ولايته الأولى، حين وصل الاقتصاد الإيراني إلى نقطة حرجة جداً، وفقاً للتوصيفات الإسرائيلية.
وتلك المقاربة، تُعدّ فرصة وتهديداً لإسرائيل: فهي تضغط على إيران إلى حد يمكن الرهان عليه نظرياً، وتحديداً في ما يتعلّق بقطع الإمداد المالي عنها عبر العقوبات الحاسمة؛ لكن في الوقت نفسه، يمكن أم تتسبّب هكذا عقوبات في دفع طهران إلى «التمادي أكثر» نحو الوصول إلى القدرة النووية العسكرية الكاملة، وهو ما كان محل سؤال معتدّ به خلال ولاية ترامب الأولى، بعدما حرّكت العقوبات في حينه، إيران إلى رفع نسبة تخصيبها لليورانيوم بما كاد يقرب من التخصيب الضروري لإنتاج القنابل النووية.
ثانياً: القضية الثانية ذات الصلة بإسرائيل، هي الترتيب الإقليمي بين حلفاء الولايات المتحدة: إسرائيل ودول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فهل ينجح ترامب في تحقيق ما عجز عنه بايدن؟ وهل تتماهى الرياض مع الرئيس الجديد، خوفاً من سطوته وما يمكن أن يقدم عليه في حال رفضها الإملاءات والانضمام الكامل المباشر إلى الحلف الإقليمي بزعامة إسرائيل؟ أم أنها ستتشدّد في مطالبها، وتحديداً ما يتعلّق منها باتفاقية الدفاع مع الولايات المتحدة وتمكينها من حيازة قدرات نووية؟ علماً أن المطلَبين لم يعودا كافيين من ناحية المملكة، في ظلّ ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وهو الأمر الذي يربط هذه القضية بما سبقها: وقف الحرب و«اللفتات الاقتصادية» للفلسطينيين والوعد بحلّ لقضيتهم، أصبح، في أقل تقدير، جزءاً لا يتجزأ من أيّ ترتيب مقبل في الإقليم، يقدّر أن يعمل عليه ترامب في بداية ولايته الجديدة.
ثالثاً: القضية الثالثة التي تشغل التفكير الإسرائيلي إزاء الآتي، هي ما يرتبط بإرادة نتنياهو وائتلافه الرامي إلى التغيير في الحكم الذي يسميّه معارضوه «انقلاباً على الديموقراطية». الواضح لدى كل الإسرائيليين، يميناً ويساراً ووسطاً، أن ترامب سيكون أكثر تساهلاً مع «الإصلاحات» التي جرى تجميدها قبل الحرب، وهو عامل كان رئيسياً في تجميد «الانقلاب» في محاولاته الأولى، وقد يكون سبباً في إعادة تحريكه وإحيائه من جديد، إذا لم يؤدِ إلى تبعات أميركية سلبية على الائتلاف وعلى إسرائيل وعلى من يتولّون الحكم فيها.
لكن ماذا عن الحرب في جبهاتها المتعدّدة؟ الإجابة الأكثر ترجيحاً من غيرها، أنه لا يقين حول ما سيلي. فهل سيضطرّ ترامب إلى التعامل مع الحرب وتقرير مصيرها، أم ستكون قد انتهت قبل تولّيه المنصب؟ السؤال حاضر ومشروع، وقد يكون محلّ أمنية لترامب بأن تنتهي الحرب قبل وصوله إلى البيت الأبيض. والواضح، أنه تعهّد بإنهاء الحرب، وهو تعهّد جاء ليطعن بإدارة بايدن والتشكيك في سلوكها وقدرتها وحسمها، وكذلك القول إن إدارته كانت لتكون أكثر حسماً منها، وإن الحرب ما كانت لتنشب لو أنه كان في المنصب، فيما التعهّد المباشر نفسه، يشير إلى أنه سيعمل على ما عجزت عنه إدارة بايدن. وتأتي تصريحات ترامب ومواقفه في هذه القضية، في إطار معادلة «سأعمل نقيض ما عمله منافسي»، أكثر من كونها منطلقة من مواقف مبنيّة على إستراتيجية وسياسة محدّدتين.
في المحصلة، فإن جميع الفرضيات والسيناريوات مطروحة على الطاولة، وإنْ كانت ترجيحاتها مختلفة. ورغم أن إسرائيل وحربها وساحاتها والإقليم ينتظرون ترامب، ومَن في إسرائيل يحرقون المراحل ويهلّلون للانتصارات المقبلة، إلا أنه لا تقديرات مرجّحة حول ما يمكن أن يقدم عليه، سواء في فعل ما وعد به، أو كيفية تنفيذه لوعوده، التي لا تستند إلى إستراتيجية مسبقة يريد تطبيقها، من أجل تحقيق ما وعد به.