كتب كارلوس شهاب ...القصة الحقيقية لكريستوف كولومبوس

2024.08.06 - 07:19
Facebook Share
طباعة

في مثل هذا اليوم من العام 1492 بدأ كريستوفر كولومبس تنفيذ خطته القاضية بالإلتفاف حول الكرة الارضية وأخذ المسلمين على حين غرة وإحتلال بيت المقدس كانت الخطة جزء من حروب الاسترداد والاستيلاء التي شرعت بها شبه الجزيرة الأيبرية، لم يكن أحد في أوروبا ولا العالم من بحارة وجغرافيين يشاطر كولومبس عناده البهيمي في إمكانية الدوران لكنه أصر وتأكيداً على اصراره يذكر ماثيو كار في كتابه «الدين والدم: ابادة شعب الأندلس» أن كولومبس قد أخذ معه مترجم يهودي يعرف العربية من الماراونو اليهود الذين تم تنصيرهم في حروب الاسترداد بغية اخبار المسلمين أنهم خضعوا لمملكة الرب.


لم يكن العناد البهيمي هو الصفة الطاغية لهذه الشخصية التي ستلعب الدور المحوري في سردية أوروبا وقفزتها على العالم بل أن الجشع هو من كان يسير الأميرال، يذكر ريجيه دوبريه في كتابه «زائر الفجر: كريستوفر كولومبس مسكتشف أم قرصان؟» انه في سياق حملته لتنصير التاينوس سكان جزر الكاريبي أرسل رسالة إلى الملكة إيزابيلا ذكر فيها «الرب» 26 مرة و«الذهب» 114 مرة وليس هذا فقط بل ان كولومبس سرق جائزة كشّافه رودريغو حيث أدعى أنه هو من رأى اليابسة وليس روديغو. حالما ظهر أن هذه ليست الهند وهؤلاء ليسوا مسلمين وأن الحملة كانت كلها نتاج هراء أقنع به كولومبس ملوك قشتالة وليون تحولت «أورشليم» الى «الذهب» وقتل المسلمين إلى إستعباد اليد العاملة الأصلية، يروي بيتر برنشتاين في كتابه «سطوة الذهب» أن اوروبا كانت بحاجة للذهب فقد سُك في القرن الثالث عشر دينار جنوة الذهبي، وفلورين فلورنسا، وإيكوس فرنسا، ودوكات ڤينيسيا من الذهب لذلك كان عطش مقدس رواه كولومبس بأسطورة الهند وأرسى المعادلة الغربية التي لا تزال قائمة حتى الآن «ذهبك في مقابل إلهي. أعطنى الدراهم، وإليك المطلق، إنني أنهب لكنني أهدي إلى الحق».


لقد أقرت دعاية كولومبس عن السكان الأصليين والتي شكلت أساسات رؤى فلاسفة ومؤرخي غرب أوروبا طفولية شعوب تلك المناطق وهشاشتهم (كما يذكر هيغل) وأنهم رأوا كولومبس كآله أبتلع قمرهم، أو أن البيض كانوا كآلهة على حيوانات غريبة، لكن هذا محض هراء غربي لسحب آدمية المقهورين وتبرير إحتلال أرضهم، لقد قاوم السكان الأصليين بكل ما يمكنهم وفي عودته بعد الحملة الأولى وجد كولومبس أن من بين 39 ايبري تركهم كان التاينوس قد قتلوا 38، كما أن أكثر من «كاسيك» وهو الزعيم المناطقي في جزر الكاريبي تم إعدامه على الملأ او حرقه أو اطعامه للكلاب الوحشية التي وجدها كولومبس وأدخلها كأسلوب عقاب للكاسيك.كان تأثير كولومبس فادح فهذا الرجل بالقتل والتشريد والاغتصاب والابادة بالامراض التي رافقت حملته كالجدري وغيره قد أنهى عالماً بأكمله -حتى أنه في حقل الدراسات عند الحديث حضارات الازتك او الانكا او الزابوتك فتمسى «حضارات ما قبل الكولومبية»- ونقل مقدارته إلى اوروبا لتبدأ تلك القفزة الخارقة التي رُدت إلى الديموقراطية الإغريقية والاقطاع القروسطي والحداثة الغربية دون أي اشارة الى ذلك النهم الذي أفضى الى جانب عمل العبيد الافارقة الى ذلك التطور الحارق.


ولم يقف تأثيره على إبادة عالم سابق بل يقف كتكثيف لجشع الرجل الابيض وبهيمته في رسم عالم قادم، فمنذ القرن الثامن الى هذا اليوم تسعى التركيبة التي نشأت هنالك من أصليين وخلاسيين وكريول وأفارقة وعمال سخرة آسيويين للتخلص من شبح هذا القرصان في نضال فاق الثلاثة قرون من توباك أمارو وتوماس كاتاري الى ثورة هاييتي بقيادة توسان لوفراتور وجان جاك ديسالين الى حرب الحلف الثلاثي وحرب المحيط الهادئ الى الاحتلال الامريكي لكوبا الى سلخ بنما عن كولومبيا الى الثورة المكسيكية واحتلال الامريكيين لفيرا كروز ثم منها الى احتلال هاييتي الى المسيرة الطويلة لكارلوس بريستس الى مقاومة ساندينو في نيكاراغوا الى ثورة اوعسطو فاربندو مارتي الى هالا دولاتور في البيرو وجوان بيرون في الارجنتين الى الثورة الكوبية الى انقلاب غواتيمالا وسقوط جاكوبو غوزمان الى صعود موران وباييراس في حركة M-13 الى حركة الدرب المضيء في البيرو وصولاً الى ثورة شياباس التي قادها الزاباتيستا عبر نائب القائد ماركوس، كانت أمريكا الجنوبية المختبر الإمبريالي الممتاز مرة للإقتصاد الليبرالي وقبلها في القرن السادس عشر كمختبر للتغريب كما يقول مارك فرو، أو أن ما فُعل بهذه بواسطة كولومبس وخلفائه يستحيل أن تراه في موضع آخر، أو أن كل ما تراه في المواضع الأخرى من العالم من هيمنة واستتباع يعود جزء كبير منه لكولومبس.


المصدر: موقع الكاتب الشخصي

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 5