يستعد الجنوبيون لتحضير مونة الشتاء وتتحضر النساء في هذه الأيّام لإعدادها وهي التي تعدّ بركة البيوت من برغل وكشك وزعتر وما إلى هنالك فما حال هذه التحضيرات مع الأجواء الاستثنائية من حرب ودمار وتهجير
بكل رحابة ورضا وحب تجيبنا الحاجة ام حسين وهي التي نزحت"عنوة" مع أولادها وأحفادها إلى إحدى قرى قضاء النبطية من بلدتها بليدا، وتصرّ الحاجة أنّها لم تكن لتترك دارها وأرضها التي روتها حبًّا ووفاءً على مدى خمسين عامًا ولم تبخل الأرض عليها بالخيرات كما تقول فكانت "الحاكورة" أي الحقل الذي تزرعه أمام منزلها تموج بالخيرات من
الخضار الصيفية الشمسية والقمح وأشجار التين والزيتون والرمّان، تتذكرها بحسرة لأنّها شعرت بعد رحيلها عن بلدتها بأنها تركت خلفها "قطعة من قلبها".
وعن التحضير لمؤونة الشتاء القادم تجيب الحاجة أم حسين "سنحضرها بالتأكيد كما لو أنّنا لم نزل في بيوتنا فلا غنى لنا عن البرَكة والبيوت الخالية من المؤونة لا تشبِع"…
حدثتنا عن تحهيز البرغل واللبن الخاص بصناعة الكشك البلدي الذي يعد غذاء أساسيًا لفطور الشتاء لدى الجنوبيين، وفي هذه الظروف يعتبر الكشك من المواد سهلة التخزين والتي يسهل تحضيرها في الأزمات في حال تعذر الحصول على المواد الغذائية، أما كيفية تحضيره فتروي لنا الحاجة ام حسين عن أصولها وهي "نقع البرغل الأبيض البلدي مع اللبن
البلدي لمدة أربعة أيام ثم يُفرش على السطح ليتعرض للشمس وتقوم النساء بفركه وتفتيته ليجفّ جيدًا وبعد ذلك يجري طحنه في الجاروشة ليخرج كالطحين"، والشهر القادم هو شهر تحضير الصعتر البري والسماق لإعداد الصعتر البلدي الذي يعتبر أيضًا غذاء أساسيًا في كل بيت لبناني وجنوبي على وجه الخصوص، وتصرّ الحاجة ام حسين على أنّ ما تقوم
به النسوة الجنوبيات لاسيما النازحات منهن من إعداد المؤونة هو وجه من وجوه الصمود والمواجهة والإصرار على استكمال الحياة اليومية والطبيعية لهن ولعائلاتهن في هذه المحنة وتشجع من لم يقمن من قبل بتحضريها بالقيام بها وإعدادها ليواجهن "تقلّب الظروف وليؤازرن أزواجهنّ في الظروف الصعبة".