في رواية واقعية حصلت في الاربعينيات من القرن الماضي في قرية صيادين أميركية تقع على شواطيء المحيط، تروي مجلة ريدر دايجست قصة الصياد المهاجر من اليونان يورغوس الذي كان يعيش بعد وفاة زوجته مع طفلتيه. كان الرجل مقيما غير شرعياً ولا يملك أي تأمين ولا تحمل ابنتيه جنسية اميركا. فإن مات فمصير الفتاتين هو التشرد.
نزل يورغوس يوما الى البحر بمركبه الصغير ليصطاد وكانت الريح صرصرا، والموج عاليا بفعل رياح عاتية، فانقلب مركبة وضربته مروحة محركه على قدمه فجرحتها وكسرت عظمها.
مصاب القدم، نازفا، منهكا يعلم بأنه ميت حتما استسلم يورغوس لمصيره لحظات قبل أن يتذكر الوحوش البشرية التي ستتلهم اطفاله حين يصبحون مشردين ودون معيل. حينها شعر الرجل بقوة جبارة تشحن جسده، فسبح لوقت لا يعلمه الا الله، قبل ان يقذفه التيار عند شاطيء مسكون بعيدا عن قريته. حيث وجده من أنقذه عبر نقله الى المستشفى.
هناك اجمع الاطباء على أن وصوله حيا هو معجزة بكل المقاييس الطبية فنزيف الدم يجب ان يقنله بعد اقل من عشرين دقيقة، لكن دافعه النفسي حوله الى رجل بجسد خارق نسكنه روح تقاتل الموت فانتصرت عليه.
الم نرى مثل هذه القوة الجبارة في الشعب الفلسطيني في غزة كما في الضفة المحتلة؟ الم نر مثل تلك القوة الجبارة في ارواح اليمنيين الذين يفترض بالميزان العلمي ان يستسلموا للحصار وللجوع والدمار منذ سنوات؟
في المقابل، ما الذي نراه في سورية الا اليأس الشعبي والافراح بالمسرحين من الخدمة العسكرية والاعراس التي يقيمها من يصلون بيروت او دبي على اعتبار ان الحلم بالخلاص الشخصي قد أكتمل.
إن الشعب السوري تحمل ما لا يتحمله بشر، على مدار العقد الماضي ولكن بدلا عن أن يختم سنوات الحرب بالمزيد من المعنويات والامل والعمل نجده ولا نلومه يحلم بالفرار من تلك البلاد الا من رحم ربي. فهل نلوم الغريق ان احتفى بالسراب التركي الخليجي، وهو لم يتعلم السباحة لينجو؟
هو نفس الشعب الذي اجتمع العالم على ذبحه فانتفض دون حساب للخسارة والربح. مدافعا عن وجوده لان حراكا مطلبيا رفع مطالب تعني كل المواطنين بداية، تحول بفعل فاعل الى ندء لابادة السنة من غير التكفيريين، ولابادة من تبقى من طوائف لا تؤمن بما يؤمن به الدواعش وانصار القاعدة. في مواجهة وجودية لا علاقة لها بالثورة المطلبية التي انطلقت لاسباب صارت معروفة لكن الشعب السوري كله لم يكن يراها الا خيرا والخير فيما وقع حتى تبين لكل عاقل ان القائد الحقيقي لتلك الثورة ليس الوجوه الوسيمة والجميلة للمثقفين والمثقفات من النشطاء في الجمعيات الممولة من جهات دولية بل القادة الحقيقيين للثورة التي تحولت صراعا مسلحا كان ابي بكر البغدادي، و أحمد الشرع المشهور بابو محمد الجولاني. والاثنين كانا ولا يزال تنظيم كل منهما أداة في صراع دولي طاحن على الاراضي السورية. فهل نحمل الشعب السوري مسؤولية افراح الافراد منه بكلام رئيس دولة لا يزال جيشها يحتل أرضهم او بعودة سفير دولة معتدية الى عاصمتهم؟
الغريق يتمسك بالقشة عله ينجو من حصار وتجويع لا يبدو ان لهما نهاية بشروط الصراع الحالي.
بالطبع لا نلومهم ولكن،
هل يتجرأ أي منا على القول ان هناك نقص في الارادة أو نقص في الشجاعة لدى القيادات الشعبية والفاعليات الأهلية السورية ممن حاربوا الارهاب والمرتزقة بمن فيهم معارضون لم ينجروا مع التحريض الطائفي ولم يتقبلوا أن يمثل حراكهم الارهاب الوهابي فدفعوا الثمن من ارواحهم ومن حياتهم.
هل يعلم من لا يعرف سورية وشعبها أن الحراك لو بقي سلميا ولم يك قادته من المدعومين من الاجانب لانضم معظم الشعب السوري لتلك المطالبات؟
هل يعلم من لا يعرف السوريين كم نسبة المعارضين للسلطة من أصل العدد الكلي لمن حاربوا الارهاب باليد والكلمة والروح؟؟
السوريون ليسوا أقل من أهل اليمن ولبنان وفلسطين شجاعة وعزما فلماذا يحتفل السوريون بالتسريح من الجيش في حين يبكي اليمني ان سرحوه؟
لماذا تفرح قلوب نخبة سورية من الموالين لمجرد تصريح ايجابي من الرئيس التركي أردوغان؟ ولا يأبه اليمنيون بكل تصريحات المسؤولين السعوديين والاماراتيين والاميركيين؟
ولماذا يستبشر السوريون بسفير السعودية التي حاربتهم بالسياسة والمال وبتسليح الارهابيين؟؟ ولا نسمع يمنيا شماليا يحتفي بالمصالحة مع السعوديين؟
من ضحوا في سورية بكل شيء لأجل بلدهم ليسوا أقل عزما وقوة موقف وشجاعة من غيرهم ولكن....هناك فرق وحيد هو الحالة النفسية والمعنوية لمن هم في سورية عمن هم في لبنان وفلسطين واليمن.
ما هو سبب هذا الفرق؟
قناعة الناس أن هناك قضية وطنية او دينية يقاتلون من أجلها هناك، وقناعة من في سورية أن القضية لم تعد واضحة فهل هي قضية مصير البلاد ام مصير الحلفاء او مصائر المحتلين؟
ففي سورية لا اعلام يسوق للقضية ان وجدت ولا يرفع معنويات الجماهير بالطرق النافعة ولا يوجد خطاب ديني او علماني او علمي يناسب الرد على الازمات اليومية التي يعيشها المواطن في كل زوايا سورية ولا يوجد فكرة يتوحد على أمل الانتصار لها كل السوريين.
الاعلام والخطباء والدراما والسينما والراديو والمشاهير كلها أدوات اعلامية يمكن استغلالها كأسلحة دفاع نفسية لحماية معنويات السوريين فهل من يفعل ؟
الاعلام هو الذي يقدم هدفا وقضية ويسوقها كما يجب لتصبح القوة الدافعة التي تجعل التضحيات ثمنا قليلا لأجل القضية..
ما هي القضية الجامعة للموالين قبل المعارضين التي يمكن ان يتوحدا عليها؟ الخطر الاسرائيلي مثلا؟
الانفصاليين الكرد شرقا والتكفيريين شمال غرب سورية والانفصاليون جنوباً؟
أين القضية الجامعة ومن طرحها ومن قلب الطاولة على القوى الدولية لكي ينتزع وحدة الشعب السوري من بين أسنانهم؟