التعليم في الشمال و شمال شرق سوريا..بين التتريك والتكريد

فاضل حماد

2024.05.18 - 05:30
Facebook Share
طباعة

 تعد بوابة التعليم المدخل الاساسي الذي تلجأ إلى التسلل منه قوى الاستعمار من أجل تغيير الهوية الثقافية والوطنية للشعوب المستعمرة، وقد سجل التاريخ الدور المدمر الذي قامت به الدولة العثمانية ثم فرنسا وبريطانيا من أجل فرض العثمنة والفرنسة والانكلة ومحو الهويات التاريخية للشعوب التي انضوت تحت سلطتها. 


ومع الحرب على سورية، وما حدث نتيجتها من احتلال تركي لمناطق الشمال والشمال الغربي السوري إلى جانب سيطرة ميليشيا قسد المدعومة امريكياً على أجزاء واسعة من ثلاث محافظات سورية هي الحسكة ودير الزور والرقة سعى الطرفان المسيطران على فرض اجندتهما وإحداث التغيير الذي يناسب تطلعاتهما وأطماعهما العدوانية والانفصالية. 


فقد عمدت تركيا إلى رعاية العملية التعليمية في مناطق سيطرتها في مسعى لفرض البصمة التركية على هذه المناطق وبرزت تداعيات التتريك جلية على مستوى التعليم حيث سعت تركيا إلى تطبيق نظامها التعليمي كما صرح بذلك (علي رضا ألتون) مدير برنامج التعليم مدى الحياة في وزارة التعليم التركية في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط وقد تمخض هذا التطبيق عن فرض اللغة التركية في المراحل الدراسية المتتابعة ابتداء من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية إلى جانب إحداث تغييرات كبيرة في بعض المضامين والإشارات السياسية في مواد التاريخ والجغرافيا حيث أزيلت من المناهج الوطنية كلمات الاحتلال العثماني و استبدلت بالحكم العثماني كما جرى تضمين دروس التاريخ الترهات التي انطوى عليها الميثاق الملي الذي يزعم واضعوه أن هناك أرضاً تركية تحتلها سورية وأن تدخل تركيا العسكري هو لتحرير هذه الارض التي (تحتلها سورية)


 وتشير السياسات التركية المتبعة إلى وجود خطة لتتريك المناطق السورية المحتلة كتلك التي اتبعتها تركيا في لواء اسكندرون السليب بدءاً من تغيير الأسماء الجغرافية ومروراً بتغيير العملة وصولاً الى تسمية المدارس والكليات الجامعية باسماء السلاطين العثمانيين وسواهم من الرموز التركية التي تمجدها المناهج المفروضة على حساب الشخصيات الوطنية العربية.

 ومن اللافت للنظر أن أغلب الكليات الجامعية التي افتتحت في مناطق إدلب واعزاز والراعي وجرابلس والباب قد حملت توقيع أردوغان إذ أن افتتاح هذه الكليات جاء بمراسيم مباشرة منه ويضاف إلى ذلك افتتاح معهد (يونس إمره) الثقافي التركي لاستهداف تعليم 300 الف

طفل سوري اللغة التركية وإدماجهم في الثقافة التركية، وقد وسع هذا المعهد فروعه في الباب واعزاز وجرابلس وعفرين وذلك لزرع شتلات معبأة بسموم سياسة التتريك.

 

وفي شمال شرق سورية لم يكن الأمر أحسن حالاً فمع إقدام "قسد" على إغلاق جميع المدارس الحكومية في مناطق سيطرتها وتحويلها إلى مقرات إدارية وسياسية وأمنية وعسكرية وسجون فرضت هذه الميليشيات سياسة تكريد على التعليم، حيث ألزمت المدارس الواقعة تحت سيطرتها بمناهجها المعبرة عن رؤيتها السياسية التي تقدس رموز التنظيمات الكردية إلى جانب تعديلات وتشابيه تمس الأديان والأعراق المحلية السائدة.


 ويحتوي منهاج القراءة في مادة اللغة العربية للمرحلتين الإعدادية والثانوية على دروس تمجد بعض المقاتلين الذي قتلوا في صفوف ميليشيا "قسد" وتقدمهم كشهداء وأبطال في حين تضمن منهاج (الثقافة والأخلاق) دروساً تقدم مقارنات بين النبي محمد(ص) وزرادشت مؤسس الديانه الوضعية الزرادشتية.


وإمعاناً في طمس الهوية الوطنية ألغت ميليشيا قسد المسيطرة على الإدارة الذاتية مادة (التربية القومية) وفرضت بدلاً عنها مادة اسمتها (الأمة الديمقراطية) التي ينادى بها عبدالله أوجلان، كما غيّرت مادة التاريخ بالكامل وحشرت فيها بحوثاً مزيفة عن تاريخ الأكراد تمثلاً بما فعله الصهاينة المحتلون الذين زوروا تاريخ فلسطين، كما تم إلغاء ماده (التربية الاسلامية) واستبدلت بمادة (الثقافة والأخلاق) التي تمجد الطبيعة والديانات الوثنية القديمة التي ركزت على الديانة الزرادشتية ودعمت ذلك بمادة اسمها (تاريخ الأديان والمعتقدات) متضمنة بحوثاً تبشر بالأديان الإلحاديه وتمتدحها.


 ويبقى الأخطر في المناهج تغيير مادة الجغرافيا وتضمينها خريطة موحدة لما يسمى بكردستان شملت أراضي سورية وعراقية وتركية وإيرانية، هذا إلى جانب إدخال مادة جديدة أسمها (الجنولوجيا) وتُعنى بعلم المرأة وتركز على التعصب والتحرر الجنسيين إلى جانب ما فيها من دروس تتحدث عن ظلم الإسلام للمرأة.

 وبالمحصلة فان منهاج ما يسمى بالإدارة الذاتية الكردية هو منهاج مؤدلج يثير النزاعات القومية والنعرات الدينية ويشوه التاريخ ويستغل العلم لإحداث الانحلال الاجتماعي وتدمير العقائد.


 وعلى ما تقدم فان ما يجري في المناطق السوريه غير الخاضعة لسلطة دمشق هو استهداف لوحدة سورية أرضاً وشعباً من خلال التسلل لضرب الهوية الوطنية الجامعة بالاطروحات الانفصالية وعبر سياسات الإلحاق القسرية التركية والقسدية وهي سياسات تدخل في سياق المشاريع المطروحة لتفكيك سورية كما هو مطروح في مشاريع الشرق الاوسط الكبير والفوضى الخلاقه التي كان ما يسمى ب(الربيع العربي) أحد تجلياتها السوداء.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 5