رغم مرور 45 عامًا، لم تلق اتفاقية كامب ديفيد قبول لدى القوى السياسية في مصر، وازداد الأمر جدالًا مع المطالبة بإلغاء تلك الاتفاقية، من قبل بعض القوى السياسية المصرية وأيضًا خلال التظاهرات التي انطلقت مؤخرًا، تضامنًا مع غزة ضد العدوان الصهيوني.
ووقع تلك الاتفاقية الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 سبتمبر/أيلول 1978، تحت رعاية أمريكا والتي كان يرأسها حين ذاك الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وذلك بعد مفاوضات سرية استمرت الـــ12 يومًا.
ورغم مرور عشرات السنين، لم تهدأ الأصوات الغاضبة السياسية والشعبية من الاتفاقية، فالبعض يطالب بتعديل الاتفاقية بينما يطالب آخرون إلغائها، وتعالت تلك الأصوات مع توتر الأوضاع في أعقاب إعلان الكيان الصهيوني حربه على غزة، واستهدافه للمدنيين مما أدى إلى سقوط الآلاف الوفيات وعشرات الآلاف من المصابين، إلى جانب عودة الحديث عن صفقة القرن وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فضلًا عن قصف الاحتلال معبر رفح من الجانب الفلسطيني 4 مرات على التوالي، وهو ما أعتبره البعض اعتداء على السيادة المصرية.
وفي المجمل؛ يرى خبراء وسياسيون أن الاتفاقية لم تحقّـق شيئاً مذكورا لمصر، بينما حققت إسرائيل من ورائها مكاسب جمة، كما يرون أن الجانب الإسرائيلي قد خرق الاتفاقية مرارًا وتكرارًا، دون أي يحرك هذا ساكنًا للسلطات المصرية، ورغم ذلك يظل هناك من يرى ضرورة تعديل بنود الاتفاقية وليس الإلغاء بما يضمن حقوق مصر وسيادتها على أراضيها.
من كامب ديفيد إلى معاهدة السلام:
هناك فرق بين اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام، فالأولى ترجع إلى عام 1978، فى حين ترجع المعاهدة إلى عام 1979، ومن حيث الموضوع فإن اتفاقيات كامب ديفيد تتكون من اتفاقيتين: الأولى تحمل عنوان «إطار السلام في الشرق الأوسط»، والثانية تحمل عنوان «إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل». والعنوانان يدلان على أن اتفاقيتى كامب ديفيد هما اتفاقيتا تحددان المبادئ العامة والرئيسية التى ستحكم معاهدات السلام بعد ذلك.
أدى اتفاق السلام "كامب ديفيد" الذي وقعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء إسرائيل ميناحيم بيغين مباشرة إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. والتي على إثرها تلقى السادات وبيغن جائزة نوبل للسلام لعام 1978 بالتقاسم. وتضمنت المعاهدة الإطار الأول (إطار للسلام في الشرق الأوسط) الذي يتناول الأراضي الفلسطينية، وكتب دون مشاركة الفلسطينيين.
ومضى السادات نحو كامب ديفيد، رغم ردود الفعل العربية المحذرة والمهددة بالمقاطعة والرفض الشعبي المصري، حتى تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية يوم 26 مارس/آذار 1979.
ورفض المثقفون والسياسيون المصريون الاتفاقية كما رفضتها الدول العربية، وتسببت في استقالة دبلوماسيين وعسكريين مصريين أبرزهم وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل ورئيس الأركان السابق سعد الدين الشاذلي، الذي كان يشغل منصب سفير مصر في البرتغال وقت الاتفاقية.
وتصاعد غضب الدول العربية تجاه مصر عقب التصديق على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية يوم 26 مارس/آذار 1979، إذ تم نقل مقر الأمانة العامة للجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وعيين الشاذلي القليبي أمينا عاما للجامعة. وظلت مصر خارج جامعة الدول العربية حتى تقرر عودتها في مؤتمر الدار البيضاء بالمغرب في مايو/أيار 1989، ثم عودة مقر الجامعة إلى القاهرة في مارس/آذار.
"أول طريق الافتراق" وضياع اللاءات الثلاث:
" لا صلح… لا تفاوض…لا سلام"؛ أضاعت كامب ديفيد الإجماع العربي للاءات الثلاث المعلنة في القمة العربية التي عقدت في الخرطوم عام 1967، وأدت الاتفاقية إلى إخراج مصر من دائرة الصراع (العربي - الإسرائيلي) من دون تحريرٍ كاملٍ لأرض سيناء البالغة مساحتها 61 ألف كيلومتر مربع.
وتعتبر اتفاقية كامب ديفيد أُولى مراحل تصفية احتمالات إقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو/ حزيران 1967، وجرى الحديث في المفاوضات عن الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات، حيث جاءت على أساس قرار مجلس الأمن 242 الذي قضى بانسحاب إسرائيل من "أراضٍ" احتلت في النزاع الأخير، ولم يحدّد كل الأراضي.
في المقابل رفضتا إسرائيل والولايات المتحدة منح الفلسطينيين حكما ذاتياً على الأرض، واقترحتا أن يكون حكماً ذاتياً للشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط من دون أن يشتمل على الفلسطينيين المقيمين في خارجهما، بدعوى أنَّ السيادة على الأرض ستبقى للحكومة الإسرائيلية.
وتعتبر اتفاقية كامب ديفيد هي أول حجر عثرة في طريق الصراع (العربي - الإسرائيلي) و(القضية الفلسطينية)، إن تسببت الاتفاقية في تقزم الصراع من (عربي إلى إسرائيلي)، إلى (فلسطينيٍ–إسرائيليٍ). وشهد النظام الإقليمي العربي تراجعاً واضحاً في موقفه من المقاومة الفلسطينية، والذي كان مبادراً إلى دعم المقاومة في قمتي القاهرة والإسكندرية عام 1964.
ما جنته مصر من كامب ديفيد:
توالت الاتفاقيات بين مصر وإسرائيل بعد توقيع كامب ديفيد، فبعد نحو 6 أشهر من الاتفاقية، وتحديدا في 26 مارس/آذار 1979، دشنت رسميا معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
ومن أبرز ما نصت عليه المعاهدة إنهاء حالة الحرب وانسحاب إسرائيل من سيناء بالكامل، وإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ضمان عبور السفن الإسرائيلية في قناة السويس.
جنت مصر من وراء تلك المعاهدة التي تم توقيعها في الولايات المتحدة الأمريكية، مساعدات عسكرية أميركية سنوية تقدر بـ 1.3 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات اقتصادية أخرى.
أما على المستوى التجاري، فقد وقعت مصر وإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2004 اتفاقية "الكويز" وهي تسمح للشركات المصرية التي تستخدم مدخلات إسرائيلية بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة بإعفاء جمركي.
وانتقد خبراء سياسيون واقتصاديون اتفاقية "الكويز"، وقالوا انها جاءت ضمن مشروع "الشرق الأوسط"، الذي طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز، بهدف إدماج إسرائيل في اقتصاديات المنطقة العربية، وذلك ضمن المخطط الأمريكي الذي طرحه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على الكونغرس الأمريكي عام 1996، بدعوى "دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط".
ويتلخص الاتفاق في اختيار بعض المناطق الصناعية المصرية لتكون مناطق مؤهَّـلة، تُـصدّر منتجاتها إلى السوق الأمريكي دون أية جمارك أو ضرائب، شريطة أن يتضمن المنتج النهائي نسبة مكون إسرائيلي 11.7 %، ونسبة أخرى من المكونات الأمريكية قد تصل إلى 15%.
وعن هذا يقول رئيس الأركان الأسبق سعد الدين الشاذلي -في لقاء تلفزيوني مع "شاهد على العصر" في سبتمبر/أيلول 2009- أن مصر لم تحصل على السلام، لأن السلام الحقيقي "ألا أفقد حريتي في اتخاذ القرار"، وأن القرارات السياسية المصرية أصبحت تكاد تكون تابعة لأميركا.
خطأ تاريخي وبنود كارثية:
يرى الدكتور مدحت الزاهد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، أن اسرائيل انتهكت اتفاقية كامب ديفيد مرارَا وتكرارًا وبخاصة منذ حربها الأخير والمستمر إلى الآن على غزة. مشيرًا إلى أن الاتفاقية تتضمن بنود خاصة بحقوق لفلسطينيين، ولم تلتزم بها إسرائيل، ونفس الأمر تجد في اتفاقية أوسلو ولم تلتزم إسرائيل بشيء أيضَا.
وأضاف، إسرائيل تنصلت من تلك الاتفاقيات وأصبحت ترتكب جرائم حرب مباشرة يومية مع شعب شقيق لنا ونحن ملتزمون بالدفاع عنه، فهذا الأمر يستوجب أن يكون له رد فعل ووقفة في العلاقات المصرية الإسرائيلية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني وكل شيء، وإلا سنكون نتجاهل عمدًا خطر جسيم لا يمس فقط أشقائنا ولكن أيضًا الأمن القومي المصري، والذي أصبح مهدد بالدرجة الأولى. وبخاصة بعد الإفصاح علنَا عن صفقة القرن والتوجه نحو تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة وتوطينهم في سيناء، وحتى الآن الموقف المصري الرسمي أعلن رفضه لتلك الخطط لكنها موجودة وقائمة ويسعى الاحتلال لتنفيذها.
فيما تؤكد الصحفية إيمان عوف أحد مؤسسي الحملة الشعبية للدفاع عن القضية الفلسطينية على أن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد يعد مطلب أساسي من وقت إبرام الاتفاقية والتي جاءت في سياق نظام قمعي اتخذ خطواته نحو إبرامها على الرغم من الموقف الشعبي الرافض للتطبيع مع إسرائيل.
وأضافت عوف لدينا مستويين للتعامل مع إسرائيل، الأول على مستوى الأنظمة الحاكمة المتتالية من وقت إبرام الاتفاقية والتي تسعى لاستمرار التطبيع وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات وتبادل الصفقات، أما الثاني على مستوى الشعوب فلا زال المصريين بكافة توجهاتهم السياسية والعقائدية ضد إتفاقيات كامب ديفيد بمضمونها الحالي، ويرون أن إسرائيل هي العدو الأساسي.
وأشارت أحد مؤسسي الحملة الشعبية للدفاع عن فلسطين، أن الأزمة ليس فقط في كامب ديفيد ولكن في توابعها من معاهدات واتفاقيات، فعلى سبيل المثال " اتفاقية الكويز" والتي وضعت أكبر مصانع الغزل والنسيج المنتجة لأفضل أنواع الملابس في مصر تندرج تحتها، فحن نقوم بالتصدير لإسرائيل وأمريكا منتجات ذات جودة عالية بمقابل مادة أقل من قيمته الحقيقة، وهو ما يعني أن الاتفاقية أصبحت مضرة حتى على المستوى الاقتصادي.
فضلًا عن تصدير الغاز لإسرائيل والذي استمر لسنوات بمبالغ ضئيلة، والآن أصبحنا نستورد الغاز من إسرائيل بأضعاف أضعاف تلك المبالغ، في ظل تزايد الديون وتردي الوضع الاقتصادي.
ومن أجل ما ذكرت وأكثر من ذلك، لا يوجد أي قيمة ولا فائدة من استمرار هذا النوع من الاتفاقيات سواء كامب ديفيد أو الكويز أو ما شابههم التي لها علاقة بالتطبيع الاقتصادي أو السياسي، تقول إيمان عوف.
واستطردت عوف: "هذا بالإضافة إلى المشروع المشبوه الخاص بالشرق الأوسط الكبير الذي يريده الاحتلال، والاصرار على تنفيذه بحل القضية الفلسطينية على حساب مصر، وأرى أن وجود هذا النوع من الاتفاقيات أفسح المجال للتفكير بأن تكون مصر الحل البديل للقضية الفلسطينية".
واختتمت أحد مؤسسي الحملة الشعبية للدفاع عن فلسطين قائلة:" إلى جانب ما ذكرت، تزايدت التجاوزات الإسرائيلية في حق مصر، مثل ضرب المعبر أربع مرات وضرب موقع مصر والتسبب في عدد من الإصابات، وهو ما يعني استفزاز مصر والتعدي على سيادتها عقابًا على مساندة مصر للفلسطينيين ، فضلا عن عدم قدرتنا على فتح المعبر الذي لدينا سلطة عليه من جهة والاتحاد الأوروبي يشرف عليه من الجهة الأخرى، واستمرار غلقه وعدم قدرتنا على دخول مساعدات لأشقائنا كل هذا نتاج اتفاقية كامب ديفيد، ولذلك أنه أن الأوان أن نعيد التفكير ي هذه الاتفاقية وأن يكون الأمن القومي المصري وكرامة المصريين ودعم الشعب الفلسطيني هو الأولوية قبل أي شيء".
أما إلهام عيداروس وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية -تحت التأسيس، ترى أن كامب ديفيد خطأ تاريخي وقع فيه السادات لأنه غلب مصلحة مصر عن حلفائه العرب، (السوريين والأردنيين والفلسطينيين)، وبخاصة وضع قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية حتى استولت عليه إسرائيل، وكان يجب على السلطات المصرية استعادة القطاع وهو ما لم يحدث.
هذا فضلًا عن قرار إقرار الاتفاقية، والذي اتخذه السادات منفردًا دون النظر إلى الأثار السلبية التي ستحلفها تلك الاتفاقية على الصراع العربي الصهيوني. ورغم كارثية الاتفاقية أعتقد أن أغلب المجتمع المصري والذي أنهكته الحرب رحب بتلك الاتفاقية وقت إقرارها، هذا بخلاف موقف السياسيين الذي رفض الاتفاقية.
وأوضحت عيداروس، أن الأزمة الكبرى في كامب ديفيد هو تقليل سيادة مصر على سيناء بتقسيمها إلى قطاعات، وهو ما عرقل مصر في جهود التنمية ومكافحة الإرهاب، كما أنها باتت معرقلة لأي جهود وطنية خاصة بمصر، فعلى سبيل المثال لم تستطع مصر مكافحة الإرهاب في سيناء إلا بعد
التعاون مع إسرائيل، ولتلك الأسباب أرى أن الاتفاقية بها العديد من البنود التي أضرت بمصر والقضية الفلسطينية.
تقسيم سيناء وتعديل الاتفاقية:
أثارت «كامب ديفيد» واتفاقية السلام، انتقادات واسعة، ليس فقط لفكرة السلام المنفرد، بعيدًا عن الأشقاء العرب، لكن أيضا بسبب نصوص الاتفاقية نفسها، والتي كتبت «دستور سيناء» طوال الأعوام الماضية منذ إبرام الاتفاقية، والتي رحل فيها السادات قتيلا بيد الجماعات الإسلامية.
وقسمت اتفاقية السلام، شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق "أ، ب، ج" وتحظر الاتفاقية على الجانب المصري إدخال الطائرات والأسلحة الثقيلة إلى المنطقة "ج" المجاورة للحدود مع إسرائيل وتنص على ألّا يزيد عدد الجنود المصريين المنتشرين على 750 جندياً، إلا أن أحد بنود الاتفاقية يسمح بأن "تقام ترتيبات أمن متفق عليها بناء على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة". وسبق أن وافقت تل أبيب منذ أعوام على زيادة عدد القوات المصرية في سيناء في إطار الحملة العسكرية للقاهرة ضد "التنظيمات الإرهابية".
ومع توجه مصر لتوسيع العمليات العسكرية المصرية في شبه جزيرة سيناء، بما يخالف بعض بنود الاتفاقية، المنظمة للوجود العسكري على الحدود بين البلدين، أعلنت إسرائيل توقيع تعديل في الاتفاقية يتيح وجود قوات حرس في منطقة رفح (واقعة ضمن نطاق المنطقة ج) لصالح تعزيز وجود الجيش المصري الأمني فيها.
ووافقت إسرائيل حينها على تعديل بعض بنود الاتفاقية بما يخص المنطقة ج، حرصها منها على أمنها القومي وخوفًا من تسلل العمليات الإرهابية إلى الأراضي المحتلة.
ومنذ الاتفاقية فشلت كل الجهود والوعد الخاصة بتنمية سيناء رغم حيويته وأهميته في البلاد، إذ يرجع الخبراء والسياسيون أسبا بالفشل الحقيقة إلى اتفاقية كامب ديفيد.