تعددت أسباب الأزمة المعيشية في سورية، وتوالت الاجتماعات لحلها وأخفقت. وازدادت صعوبة تأمين لقمة الطعام والمستلزمات الأساسية ، وبالمقابل على الضفة الثانية يوجد من لا يكترث لدفع مئات الدولارات . إذاً تناقض غريب من نوعهِ، ولا بد من معرفة الخفايا والأسرار والمسببات لهذا التناقض. يتحدث لوكالة أنباء آسيا الدكتور عدي سلطان مختص في الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية مبيناً عن تعدد لأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار ، وبغض النظر عن تداعيات الحرب، فهي داخلية وخارجية.
العوامل الداخلية يمكن أن تُعزى إلى احتكار بعض التجار المستوردين للبضائع التي يستوردونها، فالاحتكار أصبح الصفة السائدة للسوق السورية، وقد أدت القرارات الحكومية "الحمائية" لغاية حماية الصناعة الوطنية، إلى رفع الأسعار بشكل جنوني مع انعدام المنافسة، فضلاً عن قيام الحكومة بإصدار قرارات تحدّ من استيراد السلع التي ستكون أسعارها أرخص فيما لو تم استيرادها من الخارج، ومنها مواد البناء. كما أن غياب الرقابة على الأسواق بشكل كبير ادى إلى ترك الحرية للجشع والاستغلال الممارس من قبل ضعاف النفوس ليزيدوا من الآثار المدمرة للتضخم الجامح الذي تشهده السوق، ناهيك عن الضبابية التي نشهدها في السياسة النقدية، فنلاحظ أن أغلب القرارات تأتي متأخرة، إذ تأتي في الوقت الذي يستفحل فيه المرض، ومثال ذلك القرار ٩٧٠ الذي أصدره مصرف سورية المركزي، والذي أنهى العمل بالمنصة التي كانت السبب الأول في ارتفاع الأسعار بنسبة ٤٥٪ نتيجة للتحوط من قبل التجار فأصبحو يُسَعرون البضائع بضعفي سعر الصرف المُعلن وأكثر أحياناً ، خوفاً من انخفاض قيمة العملة الوطنية.
العوامل الخارجية ترتبط التضخم الذي أصاب الاقتصاد العالمي ووصل إلى حدود خطيرة، نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط والغاز والقمح عالمياً، ومن هذه العوامل ايضاً الظروف و الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها دول الجوار وخاصة لبنان المهدد بحالة الانهيار النقدي، واخيراً تداعيات جائحة كورونا التي لا زال العالم يعاني من ويلاتها، ولم تكن سورية بمنأى عن هذه الظروف التي كانت آثارها مضاعفة على الاقتصاد السوري".
أما عن الفقراء فكيف يتدبرون أمرهم في ظل هذا الغلاء ومن أين يقتاتون؟ فقال د.سلطان أن الارتفاع الخرافي للأسعار و الظروف الاقتصادية القاسية خاصة في الفترة الأخيرة،أدى إلى تغيّر النمط الاستهلاكي لدى السوريين، فدفعتهم الظروف للاستغناء عن كثير من الاحتياجات الأساسية، بل اصبحوا يبحثون عن بدائل أرخص بغض النظر عن جودتها، أما اللحوم والبيض والحلويات، فقد غابت عن موائد الفقراء، وذوي الدخل المحدود، فالدخل الشهري للموظف لم يعد كافياً لشراء ثلاثة صحون من البيض.
أما عن حالة التناقض الغريب في الازدحام في المصايف وفي ذات الوقت البحث عن لقمة العيش فقال د. سلطان
نعم، نحن أمام حالة من "الغنى الفاحش"، لكن مع حالة "فقر أفحش"، فقد أدت الحرب إلى تلاشي الطبقة المتوسطة من أصحاب الدخول الثابتة التي كانت تشكل نسبة كبيرة من السوريين قبل الحرب، فدخلها الثابت بدأ يتلاشى أيضا مع انخفاض قيمة العملة. فكان دخل الموظف الحكومي يتجاوز ٤٠٠ دولار في العام ٢٠١٠، أما اليوم فلم يعد دخله يتجاوز ٩ دولارات في أحسن الأحوال.
ومن الحالات الغريبة مصدر دخل الطبقة الثرية في ظل انعدام فرص العمل واختفاء التنافس في السوق قال د. سلطان إن طبقة الأغنياء والتجار، أثرت بشكلٍ كبير، فهي لم تتأثر، وإنما استفادت من رفع الأسعار بأضعاف مضاعفة، إضافة لاستغلال بعض فئات الأثرياء للدعم الممنوح من قبل الدولة فيما يتعلق ببعض السلع، وخاصة حوامل الطاقة، فزاد ثرائها فحشاً، والأمثلة على ذلك تجدها في وجود أفخم السيارات على مستوى العالم، وامتلاء المطاعم والمولات والمحلات الفاخرة بمرتاديها من هذه الطبقة.
إذاً الحرب دامت لمدةٍ طويلة لكن يبدو من كل المُعطيات أن المعاناة من تبعاتها ستدوم لمدةٍ أطول.. وربما يكون البقاء للأكثر غِنى، فالمواطن الفقير سيندثر هو الآخر بطريقةٍ أو بأخرى إن لم يتم العمل بشكلٍ جدي لإنقاذه..
والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا هل ستتلاشى الأسباب وتُعالج المعطيات ومتى ستبصر النور خطّة الإنقاذ الاقتصادي؟