خلال السنوات الأخيرة، أثير الجدل كثيراً على فترات متفاوتة حول الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي يحظى بجماهيرية كبيرة في مصر. فالشيخ الذي ولد عام 1911 وتدرج في المناصب حتى تولى وزارة الأوقاف عام 1976، واشتهر بإنجازه تفسير القرآن الكريم، حيث تميّز بطريقة التبسيط والشرح باللغة العامية، حظي بشعبية وقاعدة جماهيرية عريضة، لكن هذا لم يحمِه من الانتقادات التي وجهت إليه على خلفية فتاويه ومواقفه السياسية بعد ما يقرب ربع قرن على وفاته.
مسرحية للشعراوي تعيد الجدل
خلال اليومين الماضيين وبمجرد الإعلان عن تقديم أمسية مسرحية عن الشيخ محمد متولي الشعراوي ضمن أمسيات سوف يتم تقديمها على خشبة المسرح القومي في رمضان، أثيرت حالة من الجدل، تمثلت برفض بعض النقاد والشخصيات العامة وكذلك نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تقديم عمل مسرحي عن الشيخ الراحل.
في المقابل، تقدمت النائب فريدة الشوباشي بطلب إحاطة للبرلمان المصري لسرعة وقف التحضير إلى العرض المسرحي، الذى يتناول شخصية الشعراوي.
وقالت النائب فريدة الشوباشي فى طلب الاحاطة: كيف يقوم المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة بإنتاج مسرحية عن الشيخ الشعراوي، الذي سجد (لله شكرا) على هزيمة ٦٧، وقال بثقة إنه فرح لهزيمة مصر.. الوطن؟".
وسرعان ما نفت الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، حقيقة الإعلان. وأوضحت في تصريحات تلفزيونية:" أنه كان هناك اقتراح مقدم بعمل أمسيات عن بعض الشخصيات الدينية في رمضان، وأن هذا ليس عملا مسرحيا كاملا، إلا أنه فقط أمسيات عن الشخصيات الدينية، موضحة أن هذا كان مقترحاً مقدماً من مدير المسرح القومي، ولم يعرض على اللجنة حتى الآن، إذ إن اللجنة تقرر الأعمال حسب بعض المعايير."
وتابعت وزيرة الثقافة: “لابد أن يكون هناك اختيار للشخصيات التنويرية المؤثرة في المجتمع في كافة المستويات على المسرح القومي، ولابد أن يكون للشخصيات التي يتم اختيارها أثر إيجابي من الناحية التنويرية لمكافحة الفكر المتطرف”.
إلى جانب تصريحات وزيرة الثقافة وطلب الإحاطة الذي تقدمت به الكاتبة فريدة الشوباشي، رفض عدد من النقاد تجسيد سيرة الشعراوي على خشبة المسرح لما له من آراء متشددة ومتطرفة على حسب تعبيرهم.
حيث قال الناقد الفني طارق الشناوي، أن قرار تجسيد شخصية الشعراوي على خشبة المسرح، يكشف عن غياب الرؤية الثقافية الاجتماعية عند متخذ هذا القرار، إذ أن الراحل له الكثير من الآراء الرجعية، ولا تتناسب مع العصر الحديث مثل ضرب المرأة، و الختان الذي تقوم الدولة في الوقت الراهن بتجريمه ومحاربته.
وأضاف الشناوي أن الشعراوي كان له الفضل في نشر مقولة أن الفن "حلاله حلال وحرامه حرام"، ولعل أول من قال تلك المقولة هو حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان.
ويرى الشناوي أنه من الأولى أن يتم تقديم أمسية عن الامام محمد عبده، ذلك الرجل صاحب الافكار التنويرية، أو الطبيب الشهير مجدي يعقوب، الذي له الفضل في علاج قلوب المصريين.
و رداً على تصريحات الشناوي، قررت أسرة الشيخ محمد متولي الشعراوي في مصر، اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الناقد طارق الشناوي، بشأن تصريحاته الأخيرة وانتقاده لأفكار الشعراوي ووصفها بالرجعية.
فتاوى الشعراوي… تحريض على المرأة و قتل تارك الصلاة وغيرها:
كان للشعراوي الكثير من الفتاوى المتشددة التي لازالت آثارها في المجتمع المصري ظاهرة حتى يومنا هذا، وتناولت الفتاوى الكثير من الأمور منها علم المرأة والاختلاط وحكم تارك الصلاة وغيرها.
1- المرأة في فكر الشعراوي:
لم تكن تلك فتاوى الشعراوي بريئة من التشدد وبخاصة ما يخص المرأة، حيث اعتبر أن غير المحجبة تعرض نفسها على الرجال، وهو ما دفع خصومه لاعتبار كلامه تحريضا على التحرش بغير المحجبة. ففي إحدى المناقشات قال:"لما يلبسوا الحاجات الطويلة، محدش بيقرب منهم، لكن لو عاملين في نفسهم كدة يتعرف إنهم زي اللي بيعرضوا نفسهم، ويسمعوا كلام يؤذي من الرجال". وهو ما اعتبره التنويريون دفاعا عن المتحرشين وتحريضاً على غير المحجبات.
بالإضافة إلى ذلك فتح الشعراوي باباً للشك بين الزوج وزوجته، إذ ربط علاقتهما بما ترتديه المرأة. فقد عرض "الشعراوي" خلال حديث تليفزيوني في شهر رمضان عام 1984، رأيه في أخلاق المرأة، والعلاقة بينها وبين الزي الذي ترتديه قائلاً: "المرأة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوّة أبنائه منها"، أي أن المرأة المستورة أو المحجبة هي وحدها التي تنجب لزوجها أبناءً يكون واثقًا من أنهم أبناؤه، على حد قوله.
ذلك الرأي دفع المفكر الراحل فؤاد زكريا للرد عليه في مقال بعنوان "كبوة الشيخ" نشره في صحيفة القبس الكويتية في العام نفسه، ثم وضعه بعد ذلك في كتابه "الحقيقة والوهم في الحركات الإسلامية المعاصرة".
كما رفض الشعراوي في أحد لقاءاته المتلفزة خروج المرأة للعمل إلا لأمرين، أولهما أن لا يكون لها عائل، وفي هذه الحالة "تبقى معذورة"، والثانية أن تخرج على قدر الضرورة، لافتًا إلى أن مهمة المجتمع المؤمن ألا يترك المرأة هكذا بل يقضي لها حاجتها حتى تعود لمنزلها سريعًا.
2- الاختلاط في الجامعات:
في عام 1993، أجرى الشيخ الشعراوي حوارًا مع جريدة "صوت الجامعة"، نقله الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى في مقالاته "هذه شهادتي مع الشيخ الشعراوي" عام 2013.
في الحوار الأصلي، تحدث الشعراوي عن الاختلاط في الجامعات، قائلا: "وجود الطالبات مع الطلاب حرام.. ماتقوليش اختلاط وبعدين تسألني عن حدود العلاقة، لأن وجودهم مع بعض من الأول حرام".
وعند سؤال الطالب المحرر عن وجود أي إيجابيات في الاختلاط، قال الشعراوي: "إيجابيات إيه؟، الاختلاط كله سلبيات، واسألوا المشرفين عن نظافة دورات المياه في الجامعة".
3- تكفير تارك الصلاة والتحريض على قتله!
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي، في كتابه "فتاوى العصر"، إن تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا يقبل منه، لأن تارك الصلاة كافر مرتد.
كما أفتى «الشعراوى» بقتل تارك الصلاة قائلاً: (فى البداية نسأل الشخص الذى لا يصلي لماذا لا تصلي؟ فإن كان منكراً للحكم يُقتل حداً، يكون كافراً، وإن كان كسلاً يُستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتل)!.
4-تحريم التبرع بالأعضاء وغسيل الكلى
أفتى الشعراوي بتحريم الغسيل الكلوي والتبرع بالأعضاء.. زاعماً أن ذلك «يعطل لقاء الإنسان بربه»، إذ اعتبر غسيل الكلى محاولة لمنع قضاء الله، وطالب بمنعه حتى لو أن المريض سيموت، لأن الآفات مقصودة في الكون لكي يعرف الناس قدر نعم الله عليهم.
كما أكد الشعراوي في فتواه، أن التبرع بالأعضاء "كفر بالله"، لأن ذلك يتعارض مع تكريم الله لبني آدم.
الجدير بالذكر أن الشعراوي حين مرض قام بعملية نقل دم كاملة، كما قام بزراعة قرنية، في إحدى عينيه بإحدى مستشفيات جدة!
5- تحريم تهنئة الأقباط
مع كل عيد للمسيحين في مصر يتجدد جدل إيجاز تهنئتهم، لم يأتِ الأمر من فراغ فقد كان للشعراوي فتوى تحرم تهنئة أقباط مصر بعيدهم، إذ قال الشيخ الشعراوي إنه يلزم علينا أن نستعيذ بالله من أن نقوم بصنع تصرفٍ يرضي عنا كلّا من اليهود أو النصارى.
الشعراوي بين المغازلات السياسية وشركات توظيف الأموال:
إلى جانب فتاوى الشعراوي التي لازال المجتمع المصري يعاني من آثارها حتى الآن، كان للشعراوي مواقف سياسية أثارت علامات استفهام وتعجب، فلم يقترب الشعراوي طيلة حياته من الخطوط الحمراء للسلطة بل ودعمها في أحيان كثيرة.
فعلى إثر انتقاد السادات على خلفية اتفاقية "كامب ديفيد" وقف الشعراوي تحت قبة البرلمان 1978 وقال: "السادات لا يُسأل عما يفعل".
قول "الشعراوي" أثار غضب عدد كبير من المعارضين، ورجال الدين، حيث وصف "السادات" بأنه شخص فوق السؤال، وأنه منزه بما يفعل عن "غوغاء المعارضة".
وفي عصر مبارك، لم يكن هناك سوى لقاء شهير قال فيه موجهاً كلامه لمبارك: "إن كنت قدرنا فليوفقك الله وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل".
وفي كتابه "أفكار مهددة بالقتل: من الشعراوي إلى سلمان رشدي"، نشر الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، قصيدة كتبها الشعراوي يمدح فيها الملك فهد بن عبد العزيز، رفعته إلى مصاف الآلهة، حيث يقول الشيخ:" يا ابن عبد العزيز.. يا فهد شكرًا … أنت ظل الله في الأرض… تحيا بك البلاد أمنًا وسرًا".
"ظل الله في الأرض"، هذا الشطر من القصيدة أثار جدلًا، حيث رفع فيه الشعراوي الملك فهد إلى مصاف الآلهة.
ولازال موقف الشعراوي من النكسة عالقاً في أذهان المصريين وبخاصة المثقفين والسياسيين، إذ سجد الشيخ الراحل شكراً لله على نكسة العام 1967، قائلاً "فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية؛ لأننا لو ُنصِرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأُصبنا بفتنة في ديننا".
إلى جانب المواقف السياسية التي أثار علامات استفهام، كان للشعراوي موقفا صريحا من دعم شركات توظيف الأموال التي خدعت الآلاف من المصريين في ثمانينات القرن الماضي. إذ ظهر الشيخ الراحل مع رئيس مجلس إدارة شركة «الهدى مصر» لتوظيف الأموال التي كانت تمتلكها هدى عبدالمنعم.
كانت الصحف قد تداولت نبأ اتفاق الشعراوى على توقيع عقد عمل كرئيس لمجلس إداراة «الهدى مصر»، وبحسب ما نشر حينها فإن الهجوم الذى تعرض له إمام الدعاة دفعه إلى التراجع عن الاتفاق، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن الشيخ دعم شركات توظيف الأموال عبر فتوى تحرم أموال فوائد البنوك وتحلل أرباح تلك الشركات.
وانتهى الأمر إلى ضياع مدخرات المصريين الذين وثقوا فى الشيخ الجليل وغيره من مشايخ تلك الفترة بعد أن ضارب الريان والسعد وهدى عبدالمنعم بأموال المصريين فى البورصات الأجنبية، ووزعوا ما تبقى منها على كشوف البركة.
ليس فوق النقد:
انتقدت الناقدة الفنية ماجدة خير الله إقدام الأسرة على رفع قضية ضدها ومعها الناقد طارق الشناوي بسبب انتقادهم إقامة عمل مسرحي عن الشيخ الشعراوي. ورأت أن بهذا الفكر والاعتقاد ستضطر أسرة الشيخ إلى رفع قضايا على مئات من الشخصيات العامة في جميع المجالات، الذين لهم نفس الرأي في فكره تقديم مسرحية عن حياة الشعراوي على خشبة المسرح القومي.
ونصحت الناقدة الفنية أسرة الشعراوي بأنه قبل رفع الدعاوى القضائية عليهم السعي لحذف فيديوهات الشعراوي التي تفاخر فيها بأنه سجد لله شكرا على هزيمة الجيش المصري في حرب ١٩٦٧ تلك الحرب التي استشهد فيها الآلاف من أشرف رجال الجيش المصري مسلمين وأقباط.
وأضافت كما على الأسرة أيضا حذف فيديوهات الشيخ التي أشاع فيها روح الكراهية ضد المسيحين والترويج لرأي يأخذ به البعض حتى الان وهو رفض الترحم على أي قبطي او تهنئته بالعيد، إلى جانب فيديوهاته التي يهين فيها المرأة التي كرمها الاسلام بتهكمه على الزوجة التي تشكو تعنيف زوجها قائلا "مش عاجبك أسلوبه وهو اضطلع على عورتك !!! "
واختتمت خير الله حديثها قائلة:" اعتقد أن محاولة إضافة قداسة على أي شخصية عامة هو نوع من الارهاب الفكري لا يليق قبوله في مجتمع متنوع الثقافات يطمح في التقدم واللحاق بركب الحضارة مثل المجتمع المصري".
من جانبه يرى المحامي الحقوقي عمرو محمد أن ليس الشعراوي فقط متشددا في آرائه وأفكاره، وإنما من الواضح أن الأسرة مثله، بدليل هجومهم والتوعد للمعترضين على تقديم سيرة الشعراوي في عمل مسرحي. مضيفاً أن الأسرة ترى أنه ليس لنا حق الانتقاد طالما مات".
وأوضح المحامي الحقوقي أن الشعراوي يحمل ذنب كل فتاة توفيت بسبب عملية ختان، كل زوجة توفيت على يد زوجها بسبب الضرب أو الاغتصاب الزوجي و كل فتاة قتلت على يد أهلها بسبب العنف، أيضاً في رقبته ذنب كل فتاة تعرضت للتحرش/الاغتصاب بسبب فتاواه التي بررت تلك الجرائم. معتبراً أن الشعراوي هو المؤسس الأول للأجيال التي ظهرت لاحقاً تبرر العنف والتحرش.