"لم يكن لدي أي موانع صحية للولادة الطبيعية، لكني لجأت إلى القيصرية لعدة أسباب أولها خوفي من تغيّر شكل المهبل، وهو ما قد يؤثر على العلاقة الجنسية بيني وبين زوجي، أما السبب الثاني هو دفع طبيبي الخاص لي نحو الولادة القيصرية باعتبارها أنها الأفضل والأسهل". هكذا روت رباب عبد القادر تجربتها عن الولادة القيصرية.
تضيف السيدة الثلاثينية عن تجربتها قائلة: "مكثت في المستشفى ثلاثة أيام بسبب تعرّضي لنزيف عقب إجراء الولادة القيصرية وهو ما أخّر موعد خروجي من المستشفى، وفي العادة يكون في نفس يوم إجراء الولادة أو في اليوم التالي على الأكثر، لكن تعرّضي للنزيف والإعياء أجّل موعد خروجي".
لم تطّلع رباب مسبقاً على أضرار الولادة القيصرية وآثارها السلبية، كما روت لوكالة أنباء آسيا، لكنها رأت أن الكثير من السيدات يلجأن إليها ما جعلها تعتقد أنها الأفضل، لكنها اكتشفت بعد تجربتها أنها الأصعب.
إن تشجيع النساء على الولادة القيصرية غير المبررة طبيا منتشرة في جميع دول العالم ومن بينها مصر.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن الولادة القيصرية باتت الأكثر انتشارا حول العالم وأن الولادة الطبيعية باتت هي الاستثناء، الأمر الذى يهدد حياة ملايين النساء و الأطفال إذا ما تم إجراء هذه الجراحة دون حاجة طبية إليها.
وحددت المنظمة نسبة 15 في المئة كحد أقصى لعدد الولادات القيصرية في أي بلد، لكن معظم دول العالم تجاوزت هذا الحد. فبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، تضاعفت معدلات الولادة القيصرية حول العالم 3 مرات خلال 3 عقود .
فقد ارتفعت معدلات الولادة القيصرية حول العالم من 7 في المئة خلال عام 1990 إلى 21 في المئة عام 2021 ، وهو ما يعنى أن واحدا من كل خمسة أطفال حول العالم يولد عبر جراحة قيصرية.
وتحتل مصر المرتبة الرابعة عالميا في عدد الولادات القيصرية بحسب منظمة الصحة العالمية.
وفي دراسة أعدها الدكتور طارق توفيق، نائب وزيرة الصحة والسكان لشؤون السكان المصرية، وأجرت مسحاً لمعدلات الولادة القيصرية خلال الفترة بين عامي 2008 و2017، ظهر أن نسبة الولادة القيصرية بين السيدات في الولادة الأولى بلغت 60%، وبلغت 51.9% في الولادات الثانية والثالثة، بينما بلغت 38.8% في الولادات الرابعة 38.8%، و33% في السادسة أو أكثر، ما يعني أن النساء اللواتي أجرين عملية قيصرية في الولادة الأولى تراجع بعضهن عن هذه الخطوة في ولادتهن الثانية والثالثة.
من جانبه يقول الدكتور أشرف أبو العزم أخصائي النساء والتوليد، إن السيدات الحوامل يلجأن إلى الولادة القيصرية دون مبرر طبي هرباً من آلام الولادة الطبيعية. مؤكدا على إن مخاطر الولادة القيصرية أكبر بكثير من نظيرتها الطبيعية لأنها عملية جراحية".
وأشارت إلى بعض مخاطر الولادة القيصرية منها احتمالية حدوث نزيف بعد إجراء العملية، بالإضافة إلى أن خطر الإصابة بجلطة دموية، كما أن المرأة من الممكن أن تصاب بتلوث الجرح بعد إجراء العملية.
كما أشار إلى أن بعض الأطباء يدفعون السيّدات لإجراء ولادة قيصرية كنوع من أنواع توفير الوقت، لأن الولادة الطبيعية تأخذ وقتاً أطول منه، وهذا يعطله عن عمله في متابعة مريضات أخريات في عيادته.
وينصح أبو العزم النساء بعدم اللجوء إلى الولادة القيصرية إلا في حال وجود موانع صحية تعرّض السيدة الحامل للخطر في حال الولادة الطبيعية، مثل أن تعاني من أمراض تمنعها من تحمّل آلام الولادة الطبيعية كأمراض القلب والضغط العالي أو السكري، أو أن تكون حاملاً بتوأم وحالتها الصحية لا تتحمل الولادة الطبيعية.
مؤخراَ اتجهت مصر نحو تقليل نسب الولادة القيصرية؛ حيث أصدر الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، عدة توجيهات، من شأنها العمل على تقليل الزيادة في معدلات الولادات القيصرية غير المبررة، في مقابل زيادة الإقبال على الولادات الطبيعية، وذلك في إطار الحفاظ على صحة الأم والجنين، والارتقاء بالصحة العامة للمواطنين.
وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن التوجيهات الخاصة بالحد من عمليات الولادة القيصرية غير الضرورية، يهدف إلى تقليل النتائج السلبية الشديدة، لهذا الإجراء الذي يعرض الأم لعدة مخاطر، منها الإصابة بالمشيمة المتوغلة، واستئصال الرحم أثناء الولادة، ونزيف الولادة الهائل، إلى جانب المضاعفات التي يتعرض لها الأطفال والأجيال القادمة من زيادة في الجراثيم المعوية والسمنة، والحساسية، والتوحد، والسكري، وأمراض المناعة.
وأشار «عبدالغفار» إلى أن الإجراءات التي وجه الوزير باتخاذها للتقليل من عمليات الولادة القيصرية غير الضرورية، تشمل التوجيه بمساواة أتعاب الأطباء والطواقم الطبية عن الولادات الطبيعية بمثيلتها عن الولادات القيصرية، وتخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى للولادة الطبيعية.
وأضاف «عبدالغفار» أنه وجه بوضع التشريعات التي تضمن حق الطبيب والقابلة أو الممرضة لتطبيق الولادات الطبيعية أثناء حدوث الأثار الجانبية البسيطة، إلى جانب تنظيم تدريبات دورية للفرق الطبية أثناء الخدمة، مع توجيه القائمين على المنشآت الطبية الحكومية والخاصة، بجمع المعلومات الصحية والبيانات الروتينية عن الولادات القيصرية وأسبابها، لتحقيق الحوكمة في البيانات، وتحليل جميع أسباب الولادات القيصرية، والزام جميع المستشفيات الخاصة والحكومية بالعمل بالدلائل الارشادية المتعلقة بأسباب وضوابط اللجوء للولادة القيصرية.
وتابع «عبدالغفار» أنه وجه أيضا بعمل الاستبيانات والدراسات في المناطق السكنية، لمعرفة البيانات التي تساعد في تحسين طرق تشجيع المرأة الحامل على تبني فكرة الولادات الطبيعية، إلى جانب عقد مناقشات مجتمعية لأضرار الولادات القيصرية، وزيادة جلسات التثقيف النفسي للنساء اللاتي يعانين الخوف من الألم.
وقال «عبدالغفار» إنه وجه بتفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في ترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الولادة الطبيعة وفوائدها للأم والطفل، وأضرار الولادة القيصرية «دون مبرر طبي».
منوهاً إلى أن الإجراءات التي وجه بتطبيقها، تتضمن تنفيذ حملة إعلامية مكثفة لتوعية النساء وأزواجهن، بأضرار الولادة القيصرية –غير المبررة- وخطورتها على الأم والجنين، مع استعراض فوائد ومزايا الولادة الطبيعية.
من جانبها أشادت مبادرة مراكز رعاية طبية آمنة للنساء بالقرار الصادر من الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان.
الجدير بالذكر أن برنامج مراكز "رعاية طبية آمنة للنساء " والذي تنفذه مؤسسة القاهرة للتنمية منذ أكثر من ثلاثة أعوام بهدف الحد من العنف ضد النساء في أماكن تقديم الرعاية الطبية ورفع وعي المجتمع بحق النساء في تلقي خدمات صحية آمنة، ورفع وعي مقدمي الرعاية الطبية بالحقوق الصحية للنساء، والخروج بمقترح تعديلات على القوانين الصحية، لتوحيدها واصلاحها، وعلاج القصور الوارد فيها فيما يخص الخدمة الطبية الآمنة للنساء، والقوانين الأخرى المرتبطة بهذا الحق ، وحشد الجهود المجتمعية من أجل تنفيذ وتبني الاتفاقيات الدولية الداعمة لبيئة صحية آمنة للنساء.