جمع الخردة في لبنان لقمة عيش مغمسة في الصدأ

2021.03.08 - 08:10
Facebook Share
طباعة

 بعد اتساع دائرة الأزمة الاقتصادية والفقر والبطالة في لبنان اضطر بعض اللبنانيين، من النساء والرجال والشباب والأطفال، إلى جمع وبيع الخردة المعروفة أيضا بتجارة الـ”سكراب” وباللقمة المغمسة في الحديد والصدأ لتأمين قوت يومهم، والبعض منهم أصبحوا يمتهنون هذا العمل بشكل علني بعد أن كان ذلك سرا من خلال التوجه ليلا إلى الأحياء والمزابل لجمع الخردة بعيدا عن أعين الأهل والأصدقاء.

لا أحد يعرف تاريخا محدّدا لمهنة جمع وبيع الخردة في لبنان، إلا أنه من المؤكد أن هذه المهنة التي تنامى دورها مؤخرا راجت بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990) وتطورت مع الحروب المتتالية التي شهدتها البلاد.

ومع الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي ترزح تحت وطأتها شريحة كبيرة من اللبنانيين تحول العمل في جمع الخردة إلى مهنة ثابتة للكثيرين ممن لفظتهم سوق العمل المحلية ولم يجدوا لهم مكانا بديلا.

ويعتبر البعض الآخر تجارة الخردة مهنة أشبه بتجارة الذهب، خصوصا بعد تنامي ظاهرة تهريب الخردة من سوريا إلى الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية على الحدود اللبنانية السورية الشرقية والشمالية.

يقول خالد الشيخ (أحد تجار الخردة في شمال لبنان) لوكالة أنباء “شينخوا” إن 20 عاملا يعملون لديه، بينهم طلاب، بعدما أدت أزمات البلاد الاقتصادية والمالية والمعيشية إلى ارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 50 في المئة وانهيار العملة المحلية وتفاقم البطالة والتضخم.

ويوضح أن أجر العامل بحسب نوع عمله قد يصل إلى حوالي 70 ألف ليرة لبنانية، ما يعادل اليوم بحسب سعر الصرف في السوق الموازية 7 دولارات أميركية.

ويضيف “نجمع الخردة التي تتضمن الحديد والألمنيوم والنحاس والبلاستيك من مختلف مدن وبلدات الشمال، فضلا عن تلك التي تصل إلينا من سوريا، حيث توجد كميات كبيرة من الخردة بسبب الدمار الذي لحق بالعديد من مدن وقرى سوريا”.

ويشير الشيخ إلى أنه بعد تجميع الخردة يتم فرزها حسب النوع في باحات مستودعات الخردة تمهيدا لتصديرها بحرا، وعلى وجه الخصوص إلى تركيا حيث يعاد تدويرها وتصنيعها.

ويوضح أن الأنظار بدأت تتجه مؤخرا إلى هذه المهنة لمعرفة خفاياها والمردود المالي الذي توفره وبعضه لخزينة الدولة التي تستفيد من مبالغ لا يستهان بها من رسوم تصدير الخردة.

ولطرابلس والشمال حصة كبيرة من تجارة الخردة، حيث تنتشر العشرات من ساحات تجميع الخردة أو ما يعرف بـ”البورة” في أماكن غير آهلة بالسكان قرب مرفأ طرابلس.

ويدور في فلك هذه المهنة المئات من العمال، ومنهم طلاب مدارس وجامعات، يجوبون الطرق نهارا وليلا في المدن والقرى بسيارات نصف نقل صغيرة ودراجات نارية تجر عربات لجمع الخردة من حاويات النفايات أو عن طريق شرائها من المواطنين الذين ينتظرون لبيع ما يريدون التخلص منه من أدوات كهربائية مستعملة.

ويسرد العاملون في هذه المهنة روايات كثيرة عن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي دفعتهم إلى ترك منازلهم ليلا والتوجه إلى أكوام النفايات بحثا عن الخردة، لكنهم في الوقت نفسه يشيرون إلى أن المهنة توفر دخلا يدفعهم إلى مواظبة العمل فيها.

ودفعت الظروف الاقتصادية الطالب فارس (23 سنة) إلى العمل في جمع التنك والبلاستيك والنحاس، ما مكنه من دفع أقساط الجامعة؛ يقول “بدأت في عطلة الصيف جمع بعض المواد من الحارات وأكوام النفايات المتكدسة بشكل مخيف في الطرقات، وجمعت نحو طنين منها، أي ما يعادل ثمنه ألف دولار”.

لم يعر فارس اهتماما للانتقادات التي طالته من أصدقائه، مؤكدا أنه “ليس عيبا ما أقوم به، ولم أكن أتخيل أن فرز النفايات سيكون مربحا بهذا الشكل، لكن حين رأيت كثيرين يمتهنونه كعمل إضافي أدركت سر التحول نحوه، أقله أنه يخلص البيئة من تخمة النفايات وهذا جزء من الحل”.

ويقول محمد العلي (33 عاما) “أعمل في هذه المهنة منذ عدة سنوات، وأقوم بجمع الخردة من الشوارع أو أشتريها بأسعار رخيصة من مواطنين، وأنقلها إلى ساحات التجار لتجميع الخردة، حيث أبيع طن الحديد بنحو 600 دولار أميركي، وطن التنك بـ400 دولار، أما النحاسيات فأسعارها متفاوتة بحسب نوعها أبيض أو أحمر والثاني هو الأغلى ، فضلا عن الألمنيوم والبلاستيك وحتى الكرتون”.

ويوضح أن “الخردة تجارة ناجحة ومشجعة، فهي لا تخضع للضرائب ولا للرقابة. ما نجمعه نبيعه ويعاد تحويله ليدخل في الصناعات المحلية التي تعيش أزمة خانقة، (لذلك) يجب تشجيعها”.

وأضاف أنه إلى جانب الأرباح التي يحققها عمال الجمع يحقق أصحاب مستودعات التجميع أيضا أرباحا طائلة ومعهم أصحاب شركات النقل والمرافئ، حيث تصل رسوم مرفأ طرابلس سنويا من التصدير إلى قرابة 2 مليار ليرة لبنانية، بحسب أحد مسؤولي المرفأ.

ويشير الواقع الفعلي لتجارة الخردة إلى أنها مهنة تساهم إلى حد ما في تحريك الدورة الاقتصادية وإيجاد فرص عمل، وخصوصا أن خردة لبنان مطلوبة لأنها بحسب التقارير الدولية خالية من أي مواد مشعة وفق كشوفات مرافئ لبنان والدول المستوردة.

ومع ازدياد تهريب الخردة من سوريا شهدت تجارة الخردة بشمال لبنان ازدهارا تُرجم بزيادة عدد ساحات تجميع الخردة على مقربة من شاطئ البحر لجهة مدخل طرابلس الشمالي، حيث ترتفع أكوامها المعدة للتصدير.

يقول محمد عبود (أحد العاملين في مجال تصدير الخردة) “نصدر سنويا آلاف الأطنان من الخردة إلى تركيا مما يوفر دخلا للبلاد بالدولار الأميركي”، مضيفا “اليوم تضاعف تصدير الخردة من طرابلس مع دخول الخردة السورية، مما خلق فرص عمل إضافية”.

وتشير تقديرات البعض ممّن يعملون في هذا القطاع إلى أن لبنان يصدر نحو 300 ألف طن سنويا من الخردة التي تساهم في تشغيل عشرات آلاف من العائلات وأغلبها في منطقة الشمال الفقيرة، حيث يصدر عبر مرفأ طرابلس نحو 70 في المئة من إجمالي ما يصدره لبنان من الخردة في ما يُصدَّر الباقي عبر مرفأ بيروت ومرفأ صيدا في الجنوب.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 2