هل ستقوم إدارة بايدن بتعديل اتفاقها مع طالبان؟

ترجمة : عبير علي حطيط

2021.02.26 - 05:47
Facebook Share
طباعة

 نشرت مجلة "فورين بوليسي" ومعهد "بروكينغز" مقالتين تناولتا فيهما موضوع الاتفاق الأمريكي مع طالبان وإذا ما ستراجع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بنود هذه الإتفاقية. 


وجرى سرد لبعض أحداث التدخل الأمريكي العسكري في أفغانستان عام 2001، والذي كان مدفوعًا بمنطلقات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، والمحافظين الجدُد، تلك المنطلقات المبادرِة والصدامية، والاستباقية والأحادية، إذا اقتضى الأمر، مأخوذة بهاجس استدامة الهيمنة العالمية، وأن يبقى القرن الحادي والعشرين قرنًا أمريكيًا، وأصبح التدخل العسكري ضروريًا من وجهة نظر بوش وإدارته، بعد أن رفضت حركة طالبان، التي كانت تحكم البلد الذي هو من أكثر البلدان فقرا، ومن أكثرها استعصاء على الغزو الخارجي، تسليمَ زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، المسؤول عن هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، التي جرحت كبرياء الدولة الأولى في العالم. فأصبح الهدف الأبرز لأمريكا وحلفائها من الدول الغربية هو تنحية طالبان عن السلطة؛ لحرمان «القاعدة» من اتخاذ مقر عملياتي آمن في أفغانستان.

وكان تنظيم «القاعدة» قد بدأ يشكل تحديًا للولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، قبل هجمات أيلول/سبتمبر، ولذلك لم يكن يستبعد استهدافه، حتى لو لم تحدُث تلك الضربة لقلب أمريكا، فقد عرضت شبكة «إن بي سي» العالمية الإخبارية، في أيار/مايو 2002، تقريرًا يفيد بأن جهاز الأمن القومي الأمريكي قدم، قبل يومين، من هجمات 11 أيلول/سبتمبر خطة، كانت إجمالًا خطة الحرب نفسها التي وُضِعت موضع التنفيذ، من قبل البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية والبنتاغون، بعد الهجمات؛ بأنه سيتم إقناع حكومة طالبان الأفغانية، بتسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة. وأن الحكومة الأمريكية ستبدأ باستخدام القوة العسكرية، إذا رفضت طالبان ذلك.

كان ذلك في سياق الحرب على الإرهاب، وهو الشعار الذي تبنته إدارة جورج بوش الابن، مع أن المناقشات حول طبيعة الإرهاب كانت تجري، في دوائر السياسة الخارجية، منذ أواخر الستينيات، وأن واحدة من هذه المناقشات كانت تتعلق بشبكات الإرهاب العالمية، والدول التي ترعاها، كما يذكر وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية دوغلاس فايث، في كتابه «الحرب والقرار» إلا أن هجمات 11 أيلول/سبتمبر وضعت هدف «الحرب على الإرهاب» في مقدمة أولويات الولايات المتحدة، ولاسيما في العالمين العربي والإسلامي. لكن نجاح القوات الأمريكية وقوات الدول المتحالفة معها في الإطاحة بحكم طالبان، لم يُفضِ إلى إرساء الأمن في أفغانستان، ولم تتمكن الحكومة الأفغانية، التي رعتها الولايات المتحدة بالدعم المالي واللوجستي، وبالحماية والتدريب العسكري، من بسط سيطرتها الفعلية على كامل البلد، بل بقيت أنحاءٌ شاسعة، ومهمة منه تحت سيطرة قوات طالبان، وبقيت تلك الحركة ذات المرجعية الإسلامية، قادرة على تهديد الحكومة في كابول العاصمة، وبقي الضعف والفساد الذي وسم تلك الحكومة، عائقًا أمام تظهير نجاحات أمريكية مستقرة، أو ملهِمة. وأمريكا، كأي دولة طامحة بالهيمنة، والحفاظ على مصالحها حول العالم، تتفاوت أهدافُها، وفق مستويات القوة، والنجاحات الخارجية، ولذلك لم تواصل إدارة باراك أوباما الجموح والهجومية التي طبعت إدارة بوش الابن؛ فطرأ تراجع ملموس على مقادير انخراطها في الصراعات الدولية، بعد الخسائر غير القليلة في الأموال وأرواح جنودها، الناتجة عن تورطها في حربيها على أفغانستان، ثم العراق، عام 2003. أما الرئيس السابق دونالد ترامب فقد بدا أكثر إصرارًا على التخفيف من تلك الأعباء، والتخلص، ما أمكن، من (الحروب التي لا تنتهي) وشهدت أواخر أيامه انسحابات من العراق والصومال، وكذلك من أفغانستان؛ لينخفض عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان إلى 2500، في أدنى مستوى لها منذ عام 2001، وصولًا إلى الانسحاب الكامل، في شهر أيار/مايو المقبل، كما وعد ترامب.

وبعد فوز جو بايدن لم تغير أمريكا توجهها نحو تواجدها العسكري في أفغانستان، تحديدًا، بالانتهاء من أطول حرب لها هناك، فقد أعلنت إدارة بايدن أنها لا تزال ملتزمة باتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان الموقعة في الدوحة، 29 شباط/فبراير الماضي، في عهد الرئيس ترامب، لكن إدارة بايدن أعلنت أنها ستراجع هذه الاتفاقية، وقال كبير المتحدثين باسم البنتاغون، جون كيربي، في 28 كانون الثاني/يناير الفائت: «إن إدارة بايدن لا تزال تريد سحب جميع القوات من أفغانستان، بحلول أيار/مايو، طالما أن طالبان تلتزم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، العام الماضي، شريطة أن تخفف الجماعة من عنفها، وتندد بصلاتها بالقاعدة، لكن هذا لم يحدث». والمتوقع أن تراعي إدارة بايدن عددًا من المُحددات للانسحاب، يأتي في مقدمتها خفضُ الهجمات، ولكن هذا الخفض لا يظهر، فقد أفاد تقرير صدر عن هيئة رقابة أمريكية، مؤخرًا، بأن هجمات طالبان في كابول في تصاعُد، مع تزايد عمليات القتل المستهدف للمسؤولين الحكوميين وقادة المجتمع المدني والصحافيين. وقال التقرير إن الهجمات التي شنتها طالبان في أنحاء أفغانستان، خلال الربع الأخير من عام 2020 كانت أقل قليلًا مما كانت عليه في الربع السابق، لكنها تجاوزت هجمات الفترة نفسها عام 2019، وفقًا إلى أرقام قدمتها القوات الأمريكية في أفغانستان. ونقل التقرير عن القوات الأمريكية أن «هجمات العدو في كابول كانت أعلى بكثير مما كانت عليه في الربع نفسه من العام الماضي». فلا ضمانات كافية، والحالة هذه لمنع تهديد الولايات المتحدة، ومصالحها، ولاسيما مع وجود شكوك بالتزام قادة طالبان بتعهداتهم، ولذلك قال وزير الدفاع الجديد لويد أوستن الثالث، في جلسة الاستماع في 19 كانون الثاني/يناير، إنه يريد أن تنتهي الحرب بالطريقة الصحيحة، بدون السماح للجماعات العنيفة بمواصلة تهديد الولايات المتحدة. ولكي لا يبدو الانسحاب متسرعًا، أو انهزاميًا، ومغفِلًا للعواقب، يلزم كذلك تماثُل الحكومة الأفغانية للحُكْم المقبول، ولو في حده الأدنى، فيما يتعلق بالتخلص من الفساد، وتقديم الحلول للمشكلات الملحة التي يعاني منها الشعب الأفغاني، وبتأهلها قتاليًا، لكبح التوسع الطالباني. ولكن فساد الحكومة لا يمكن تجاهله، فهو يتفشى في وزاراتها؛ ما يؤدي إلى إحداث شرخ بين الحكومة والمواطنين، فضلًا عن إحباط المانحين الدوليين، والمساهمة في ارتفاع مستوى الفقر في البلاد، إلى أكثر من 72%، وفقًا إلى البنك الدولي. كما ذكرت تقارير وكالات المعونة الدولية الأخيرة أن أكثر من نصف الأفغان في حاجة ماسة إلى المساعدة، لمجرد البقاء على قيد الحياة عام 2021. وقد أدى الفساد المستمر إلى وقوع معظم الأفغان بين الحرب والفقر الذي لا يستكين، رغم مليارات الدولارات من المساعدات الدولية. وقال التقرير إنه بحلول نهاية عام 2020، كان من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في أفغانستان إلى 37.9% من 23.9% في 2019. وبالتأكيد تخشى واشنطن من استمرار هذا الفساد، أو زيادته، بعد الانسحاب، إذ قال المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان جون إف سوبكو: «مع استمرار تقلص تواجُد الوكالات الأمريكية، سيصبح أكثر أهمية أن تقوم الولايات المتحدة، وغيرها من الجهات المانحة، بإشراف قوي وفعال على دولاراتها وبرامجها».

قد يكون تغلغل الفساد في وزارات الحكومة الأفغانية وأجهزتها من العوامل التي خفضت سقف الآمال الأمريكية المعولة على تلك الحكومة، ولكن هذه البيئة الاجتماعية؛ من الفقر والبِطالة من شأنها أن تساعد طالبان والجماعات الموصوفة بالإرهابية في الاستمرار وتوسيع النفوذ، مقابل إضعاف الحكومة، وإظهار عجزها. وهناك محددات للانسحاب الأمريكي الكامل، في مقدمتها قطع طالبان علاقتها بالقاعدة والتنظيمات التي تصنفها واشنطن إرهابية، وضمان عدم تغول طالبان على السلطة، وقد يقابل تلك المخاوف ضمانُ رعايةٍ باكستانية للأوضاع في أفغانستان، بما تتمتع به من روابط مع قادة طالبان؛ بما لا يتعارض مع المصالح الأمريكية الحيوية. وما يحمل إدارة بايدن على التردد والتروي هو استمرارُ الهجمات التي تشنها طالبان، حتى بدون تراجُع ملموس. وفي المقابل الضعف والفساد الذي يبدو داءً مزمنا في الحكومة الأفغانية. وهناك محاذير؛ جراء الانسحاب المتسرع، منها فشل التوصل إلى اتفاق بين طالبان والحكومة الأفغانية؛ ما قد يفضي إلى وقوع حرب أهلية، أو سيطرة طالبان على الحكم، وإعادة النظام الإسلامي، (بمعزل عن أي تفاوض مع الحكومة الأفغانية) كما لوح بذلك قيادي في حركة طالبان، في تصريحات صحافية، وعلى الصعيد المعنوي، إظهار طالبان منتصرة مقابل هزيمة الولايات المتحدة.

باستقراء بنود الاتفاق بين واشنطن وحركة طالبان، يظهر أن الهدف المركزي له، أمريكيًا، هو الحؤول دون استفادة «القاعدة» والجماعات الأخرى، أو الأفراد المعادين للولايات المتحدة من أي غطاء، أو تسهيلات تسمح بها حركة طالبان، ويظهر أن الهدف الطالباني المركزي يكمن في ضمان الانسحاب الكامل لكل الطواقم والأفراد التابعين للولايات المتحدة؛ بما يضمن الحؤول دون أي تدخل أمريكي في الشؤون الداخلية لأفغانستان، مستقبلًا، أما طبيعة الحكومة الأفغانية ومرجعياتها الدستورية والتشريعية فمتروكٌ للتفاوض بين طالبان والحكومة الأفغانية، بل إن الاتفاق يتضمن موافقة ضمنية على تحول الحكومة الحالية إلى «إسلامية» مع استمرار التعاون الأمريكي معها، إذ جاء في الجزء الثالث منه: «الولايات المتحدة وإمارة أفغانستان الإسلامية التي لا تعترف بها الولايات المتحدة كدولة، والمعروفة باسم طالبان يسعيان لعلاقات إيجابية مع بعضهما، ويتوقعان أن تكون العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومة الإسلامية الأفغانية الجديدة، بعد التسوية التي يحددها الحوار والمفاوضات بين الأفغان، إيجابية». وتكمن خطورة الوضع الميداني والقتالي، واستمرار التصاعُد في الهجمات الطالبانية؛ بما يترجمه في توازنات القوى العسكرية، بين الطرفين الأفغانيين، في قدرته على تعزيز موقف طالبان التفاوضي مع الحكومة؛ لبلورة اتفاق محوري يمنح طالبان وأفكارها المتعلقة بالحياة الأفغانية الاجتماعية حصة أكبر. ولم يكن ذلك التحول الداخلي المحتمَل محل تركيز كبير لدى إدارة ترامب، ولم يحُلْ دون إبرام الاتفاق.

وبناءً على المتغيرات في منطلقات السياسة الخارجية الأمريكية، نحو انخراط أقل في النزاعات العسكرية، ما لم تكن دفاعية، وأولويات خارجية أخطر إستراتيجيًا، كمواجهة الصين، وروسيا، وسبُل العودة إلى اتفاق مع إيران، يبقى للاتفاق مع طالبان مساحة اهتمام أقل، وسيكون قرار إدارة بايدن الأخير من الاتفاق المبرَم معها، معتمدًا على المدى الذي ستبلغه تلك المراجعة المزمعة، وتاليًا التغيير المحتمَل الذي سيطال بنود الاتفاق؛ هل سيبقى مكتفيًا، في جوهره؛ بالهدف الاستراتيجي؛ بقطع صلة طالبان بالقاعدة وأشباهها، من الجماعات المصنفة، أمريكيًا إرهابية، أو عدوانية، أم سيضيف بنودًا، وشروطًا جديدة، قد تقوض الاتفاق، أو تعيق تنفيذه؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5