"عام القمح".. يُحتضر ويُنذر بأكبر أزمة خبز في سورية!

وكالة أنباء آسيا – حبيب شحادة

2021.01.18 - 09:03
Facebook Share
طباعة

 مع بداية الحرب في سورية، وخروج مساحات زراعية واسعة عن سيطرة الحكومة، انخفض محصول القمح بشكل كبير وتفاوتت كميات الإنتاج خلال السنوات السابقة، لتبلغ العام الماضي 1.2 ميلون طن فقط، ليكون أدنى إنتاج منذ 29 عامًا، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

وتُعاني سورية اليوم، بفعل الحرب والعقوبات، من تضارب الأنباء، حول قدرتها على تأمين رغيف الخبز للناس وسط صمت حكومي، يخرقه في بعض الأحيان تصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع.

وسورية التي كانت تنتج 4 مليون طن قمح قبل العام 2011، أضحت اليوم تستورده بصعوبة شديدة، مع توقف التوريدات.

ويذكر تقرير صادر عن "المؤسسة السورية للحبوب" اطلعت عليه "وكالة أنباء آسيا" أنّ المؤسسة تسوّقت 700 ألف طن قمح محلي من الفلاحين العام الماضي، في حين تحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى مليوني طن قمح لتأمين الحاجة من الخبز حسب عدد السكان الحالي.

احتياطي القمح يَنفُذ

وفي السياق، لا تتوفر أيّة معلومات رسمية، أو بيانات دقيقة، حول الحجم الحالي لمخزون القمح الذي شهد ويشهد نقصاُ حاداً وفق تقديرات أُممية، وكم يكفي لتلبية حاجة السوق المحلية؟

وهذا، يعني، حسب مراقبون، أنّ سورية ستكون أمام أزمة حقيقة في إنتاج الخبز وتوفيره للناس، ودليل ذلك تخفيض المؤسسة العامة للمخابز سقف حصة العائلات من الخبز عبر البطاقة الذكية من أربع إلى ثلاث ربطات يومياً منذ أشهر.

وحيال ذلك، قال الدكتور محمد العبد الله، خبير متعاون لدى أكساد (المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة) إنّ "صوامع القمح لا تكفي سورية بضعة أشهر، وطوابير أفران الخبز تدمي العيون"، وتابع في منشور بصفحته على "فيسبوك" أنّ موسم القمح الحالي دخل مرحلة الإنعاش، وربما يحتضر.

إيقاف ستة عقود توريد

عمدت الحكومة السورية خلال السنوات الماضية، إلى تأمين القمح عن طريق مناقصات دولية وشراء القمح، خاصة من روسيا التي استوردت منها خلال العام الماضي بحسب أرقام المؤسسة السورية للحبوب 675 ألف طن قمح من روسيا.

لكن خلال الأسابيع الماضية، أعلنت الحكومة إيقاف ستة عقود توريد قمح من روسيا لكميات تصل إلى 450 ألف طن.

وقال مدير التجارة الخارجية بمؤسسة الحبوب، نذير ضبيان في تصريحات صحفية إنّه "بالفعل تم الاعتذار عن 6 عقود من قبل شركات روسية بعد أن وقعت عقودها مع المؤسسة، وذلك لأسباب تتعلق بالتأخر في فتح الاعتمادات وارتفاع الأسعار العالمية".

ويعود سبب إيقاف التوريدات، بحسب خبير الاقتصادي (رفض ذكر اسمه) إلى عدم قدرة الحكومة على دفع تكاليفه بالقطع الأجنبي لعدم توفرها، إلى جانب عدم قدرتها على تحويل قيمة المستوردات بعد إقرار العقوبات الأمريكية على المصرف المركزي بموجب قانون قيصر الشهر الماضي، معتبراً أنها ليست المرة الأولى التي توقف روسيا توريد القمح للحكومة وإنما أوقفته سابقاً.

ما أسباب أزمة الخبز؟

الخبير الاقتصادي، عزا الاختناق الحاصل في مادة الخبز، إلى جملة من الأسباب الكامنة وراء أزمة رغيف الخبز -التي من المتوقع استمرارها في ظل المؤشرات والمعطيات القائمة-

الأول، يعود إلى خروج المناطق الزراعية المخصصة لزراعة القمح في سورية والموجودة معظمها في شمال شرقي سورية عن سيطرة الحكومة.

ويذكر لـ"آسيا" أنّ الجهات المسيطرة كانت سابقاً تبيع جزء من إنتاجها إلى الحكومة ومناطق سيطرة الفصائل المسلحة في شمال غرب سورية، لكن توقف المزارعين عن الزراعة وتهجيرهم لسوء الأوضاع المعيشية، إلى جانب الحرائق التي ضربت مساحات واسعة، أدى إلى قلة الكميات ما أثر على البيع للحكومة.

أما السبب الثاني، فيعزيه الخبير، إلى محاولة الحكومة "تنظيم أزمة الخبز" دون وجود بنية تحتية، عبر توزيع الخبز بالبطاقة الذكية، وما سببه من مشاكل كبيرة حرمت جزءً كبير من الأشخاص من الحصول على الخبز.

ولا ينفي الخبير، أثر توقف توريد مادة القمح الاستراتيجية من روسيا، والتي أصبحت خلال السنوات الماضية المورد الأوّل للحكومة.

وكشف اعتصام الأسبوع الفائت في "محافظة حماه" عجز الحكومة عن تأمين أبسط مقومات الحياة لا سيّما مادة الخبز منها، وربّما رفع الدعم الرسمي عنها بشكل تدريجي حسب مراقبون. حيث أدى عدم حصول أهالي "بلدة القمحانة" على حصتهم من مادة الخبز لأيام متتالية إلى دفع بعضهم لتنفيذ اعتصام صامت رُفعت خلاله لافتات تُندد بالمحسوبيات والفساد وفقدان العدالة بالتوزيع.

عام القمح!؟

"عام القمح"، بحسب وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، الذي قال في اجتماع أمام الوزارة الشهر الماضي، إن عام القمح" يعني زراعة كل شبر في سورية وبديلاً من تأمين الأمن الغذائي الوطني يجب تأمين الأمن الغذائي الأسري، وهو أمر هام وضروري لتأمين الاكتفاء الذاتي من المنتج". لا يبدو أنه كذلك وفقاً للمؤشرات السابقة.

وبلغت نسبة الأراضي المزروعة بالقمح، حسب الأرقام المعلن عنها من قبل وزارة الزراعة، نحو 972489 هكتاراً ما يعني أن خطة الحكومة لزراعة مساحات تقارب الـ 1.8 مليون هكتار لم تحقق أهدافها.

ويرى العبد الله أن تأخر هطول المطر حتى اليوم، أدخل محصول القمح مرحلة الانعاش، لأنه يحتاج إلى المياه وري أول بعد حوالي 3 أسابيع من زراعته، والتأخر بذلك يؤدي إلى تأخر تشكيل الجذور وضعف التفريع بسبب عدم توفر الرطوبة اللازمة للإنبات والنمو، ما سينعكس مستقبلاً على نقص عدد السنابل في وحدة المساحة من الأرض وبالتالي نقص كمية المحصول، إن لم نقل ضياع المحصول بأكمله ما لم نسرع بالحل.

فساد وسرقات للقمح

ومنذ أيام ليست ببعيدة، قال محافظ مدينة الحسكة، غسان خليل، إن هناك "سرقات وفساد" في ملف القمح مشيراً إلى أن "الكميات المسوّقة ليست في أيد أمينة"، وأضاف خليل أن هناك هدراً وفساداً كبيرين في مراكز تخزين الحبوب، مؤكداً أن "ثمة من يعمل على عرقلة مجريات التحقيق في هذا الفساد ومعالجة سوء التخزين".

وفي مطلع كانون الأول من العام الماضي، نشرت صحيفة البعث المحلية، تقريراً يفيد بسرقة كميات كبيرة مِن القمح المستورد، تقدر بنحو 500 طن، أثناء تفريغها في مرفأ اللاذقية، وقالت الصحيفة إنّ الاتهامات تتقاذفها الأطراف المعنيّة "الناقل والوكيل البحري والمورّد".

وفي بحثها عن خلفيات تلك السرقات والفساد المنتشر في مادة القمح، تواصلت وكالة "آسيا" مع المؤسسة السورية للحبوب، لكن دون نتيجة، حيث اقتصرت الأمر على أنّ "الموضوع ما يزال في إطار التحقيقات الجارية".

ويذكر أن كمية المحصول من القمح في سورية، كانت تبلغ في 2011 نحو 3.4 مليون طن، في حين كانت الحاجة المحلية 2.7 مليون طن، ما يعني أن سورية كانت مكتفية ذاتياً في المادة الاستراتيجية، لكن مع تصاعد الأحداث انخفضت كميات الإنتاج بشكل كبير.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7