الحكومة السورية تسعى لتحفيز الصناعيين السوريين في الخارج للعودة .. فهل يستجيبون؟

إعداد- رانيا مسوتي

2020.11.14 - 11:45
Facebook Share
طباعة

 
يواجه القطاع الصناعي في سورية تحدّيات داخلية وخارجية متعددة هي نتيجة مباشرة للحرب، كنقص في اليد العاملة وتراجع قيمة العملة وأزمة وقود وارتفاع في تكاليف الإنتاج وتقلّص السوق الوطنية وإقفال الأسواق الأجنبية، يُضاف إلى ذلك أن تعميق العقوبات واسعة النطاق ضدّ سوريا يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على تعافي أنشطة التصنيع.
لذلك يشكل إعادة إحياء القطاع الصناعي في سورية تحدياً كبيراً للحكومة السورية، لا يقل عن تحديات بسط سلطة الدولة على ما تبقى من مناطق ، أو تحدي إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين.
وبالتزامن مع انعقاد المؤتمر الدولي لإعادة اللاجئين السوريين الذي انعقد منذ يومين بدمشق، اتخذت مدينة الشيخ نجار الصناعية في سوريا قراراً ، وافقت على إثره لمستثمرين اثنين بنقل خطوط إنتاجهم من مصر إلى مقاسمهم في المدينة الصناعية، كما وافق مجلس إدارة المدينة الصناعية بالشيخ نجار في حلب على منح المستثمرين السوريين إمكانية نقل آلاتهم ومصانعهم إلى مقاسمهم داخل المدينة الصناعية بغض النظر عن توافق الصناعة المراد نقلها مع منطقة المقسم في المدينة الصناعية.
ومنح المجلس جميع الصناعيين المخصصين في المدينة مهلةً لغاية شهر مارس القادم لاستكمال تراخيص البناء وتسديد رسوم الترخيص وفق الأسعار المحددة والبالغة 18500 ليرة سورية للمتر المربع الواحد.
بالإضافة إلى ذلك منح الموافقة على إعطاء مهلة للصناعيين المنتهية رخص البناء العائدة إليهم لتقديم طلبات لتمديد رخصهم لغاية نهاية العام الجاري، ومعالجة جميع الطلبات المقدمة بهدف عودة عجلة الإنتاج في البلاد، فهل هذه الخطوة هي الأولى أم سبقتها محاولات سابقة لإعادة الصناعيين؟
محاولات الحكومة السورية لإعادة الصناعيين
بحلول خريف العام 2013، كان ما يزيد عن 90 في المئة من منشآت التصنيع في مدينة حلب الصناعية قد أُقفِل، نظراً إلى أن المنطقة كانت خارج سيطرة الدولة ، و40 في المئة من المنشآت الصناعية قد أوقفت أنشطتها في المدينة الصناعية في عدرا، في ريف دمشق، وكانت معظم المنشآت الصناعية في عدرا قد أقفلت في كانون الأول 2013، فيما بلغت تلك التي واصلت العمل 30 في المئة فقط من قدرتها الإنتاجية، وفي العام 2016، ظلّت 1730 منشأةً فقط من أصل 2533 منشأة مسجلةً في المدن الصناعية، تُنتِج فعلياً، وقد تركَّزَت غالبيتها في عدرا مع ذلك.
في العام 2017 دعت الحكومة السورية رجالَ الأعمال السوريين إلى العودة إلى البلاد، وعمدت إلى تقديم العديد من الحوافز للصناعيين السوريين المهاجرين، ولا سيما مَن منهم في مصر، كي يعودوا إلى سوريا ويستثمروا فيها، أو يستأنفوا الإنتاج في منشآتهم. وقد تضمّنت هذه الحوافز خفض الرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج، وإعادة جدولة أيّ دين لدى مصارف الدولة، وإنشاء معرضٍ دائمٍ للسلع السورية في مدينة المعارض في دمشق، وتحسين المعارض الخارجية بغية توسيع أسواق التصدير، إضافةً إلى تسهيل استيراد المواد الخام الضرورية لدعم التصنيع، وتقديم التسهيلات للصناعيين الذين تضرّرت منشآتهم لتمكينهم من استئناف الإنتاج
وفي أوائل العام 2018، اعتمدت الحكومة سلسلةً من القوانين بغية تشجيع الاستثمار وإعادة الإعمار في المواقع الصناعية. فأُعيد ترميم آلاف المنشآت الصناعية والحرفية في محافظات حلب ودمشق وحمص، في حين أعادت المؤسسات الحكومية خدماتٍ مثل الكهرباء والمياه والطرق، والخدمات كافة الضرورية للمدن الصناعية، مذّاك الحين طُبّقَت تدابير مختلفة لتعزيز القطاع، فأُعفي الصناعيون من رسمٍ على رخص البناء كان يجب دفعه سابقاً قبل البدء ببناء معمل أو توسيع معمل موجود أصلاً في مدينة أو منطقة صناعية. كما قدّمت الحكومة السورية إعاناتٍ ماليةً لمساعدة القطاع والمدن الصناعية، وأتاحت بعضُ التسهيلات استيرادَ بعض المواد الخام من دون ضرائب أو بضرائب مُخفَّضة. هذا وعُقِد المؤتمر الصناعي الثالث بعنوان "صناعتنا قوّتنا" في حلب، في تشرين الثاني 2018، وخَلُص إلى سلسلة توصياتٍ من الصناعيين أقرّها مجلس الوزراء رسمياً في كانون الثاني 2019، وشكّلت الركائز الرئيسة لإعادة تأسيس قطاع التصنيع بوصفه فاعلاً مهماً في الاقتصاد الوطني. وما تضمّنته هذه الإجراءات هو معالجة كلفة المواد الخام والطاقة وتوافرهما، وبناء خطوط الإنتاج، ودعم الصادرات، وتوفير التسهيلات، والحوافز، والإعفاءات، والتسويق، وإقامة المعارض في الداخل والخارج.
أما في العام 2019 فقد شكّلت وزارة الاقتصاد لجنةً مؤلّفة من فارس الشهابي، وسامر الدبس، ولبيب الإخوان، رئيس غرفة صناعة حمص، للعمل على إقناع الصناعيين السوريين الذين غادروا البلاد بالعودة إليها، وفي آذار 2019، أصدرت الحكومة مرسوماً يتيح للصناعيين استيراد الوقود ومنتجات النفط عبر البرّ والبحر لمدّة ثلاثة أشهر.
و في أوائل العام 2019، قُدّرَت قيمة الضرر والدمار اللذين لحقا بقطاعَي الصناعة العام والخاص بـ3 إلى 4،5 مليارات دولار، فعلى الصعيد الوطني، تراجع عدد المنشآت الصناعية السورية، وبلغ ما بين 65 ألفاً و71 ألفاً، مقارنةً بحوالى 130 ألفاً ما قبل الأزمة، وقد جرى نقل منشآت التصنيع الكبرى أو جزء منها (مثل تلك التابعة لشركة نستله، و"بيل غروب"، وشركة السويدي للكابلات سوريا) ضمن البلاد، ولا سيما إلى المناطق الساحلية، أو إلى الخارج وهكذا، لم يساهم تأسيس شركاتٍ جديدةٍ ومصانع إنتاجٍ في البلدان المجاورة على أيدي رجال أعمالٍ سوريين بضخّ مبالغ نقديةٍ كبيرةٍ في تلك البلدان فحسب، بل شكّل أيضاً خسارةً ضخمةً للإنتاج الداخلي.
الصناعيون السوريين في مصر
وفقا لوسائل الإعلام المصرية، يقدر عدد رجال الأعمال السوريين الذين وصلوا مصر منذ اندلاع الحرب السورية بنحو 30% من أعداد المستثمرين الذين فروا من سوريا، حيث يستثمرون 800 مليون دولار، وأقام هؤلاء مشروعات في مصر، على رأسها المطاعم والمقاهي وورش الخياطة.
فيما كانت وزارة الصناعة والتجارة المصرية، قد أعلنت إنشاء وحدة مختصة للتعامل مع رجال الأعمال السوريين، كذلك وقع اتحاد الغرف التجارية المصرية ممثلة في غرفة القاهرة التجارية، مذكرة تفاهم مع تجمع رجال الأعمال السوريين، تستهدف إقامة استثمارات جديدة، وتطوير العلاقات الاقتصادية، وإقامة مشروعات استثمارية، سواء بالتبادل أو من خلال الشراكة، وزيادة التبادل التجاري بين مصر وسوريا.
وكان المهندس طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، قد أعلن قبل عامين أنه يجرى دراسة إنشاء منطقة صناعية سورية متكاملة لصناعة النسيج على مساحة تصل إلى حوالى 500 ألف متر مربع، في إطار الخطة الطموحة التي تنتهجها الوزارة حاليا لتشجيع إقامة التجمعات الصناعية المتكاملة.
بين العامَين 2012 و2018، استثمر رجال الأعمال السوريون في مصر 800 مليون دولار في عددٍ من المشاريع، ولا سيما في قطاعَي النسيج والمطاعم، أما أكثر الأمثلة شهرةً على هذا التواجد في مصر فهو محمد كامل صباغ شرباتي، أحد أهم صناعيي سورية، الذي صُنّف واحداً من أبرز مئة رجل أعمالٍ سوري في العام 2009، وكان ترأّس غرفة صناعة حلب بين العامَين 2005 و2009. وغادر شرباتي سوريا في العام 2012.
بالمحصلة فإن غالبية المستثمرين السوريين الذين نقلوا أنشطتهم إلى مصر هم من كبار الصناعيين في قطاع النسيج.
الصناعيون السوريون في تركيا
احتل السوريون المرتبة الأولى بين الدول العربية في تأسيس عدد الشركات في تركيا خلال السنوات الست الأخيرة، بواقع سبعة آلاف و599 شركة، وجاء السعوديون في المرتبة الثانية بتأسيس ألفين و75 شركة، يليهم العراقيون.
قسم كبير من هولاء الذين أسّسوا أنفسهم في تركيا هم من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن اتحاد الغرف التركية للتجارة وتبادل السلع، وبحسب الإحصاءات فإن المشاريع السورية تمثل 19 في المئة من المشاريع المشتركة كافة ذات الأصول الأجنبية، وحوالى 381 مليون دولار من الاستثمارات منذ العام 2011 .
أما نشاط الصناعيين السوريين في المدن الصناعية التركية فيتركز في كل من غازي عنتاب وبورصة ومرسين وإسطنبول، حيث يوازي عدد الورشات والمعامل السورية عدد نظيرتها المحلية في بعض مدن تركيا، كما تدخل بضائعهم أسواق إسطنبول وإزمير ومرسين وباقي المدن التركية، وتصدر عبر الموانئ إلى دول أوروبية وشمال أفريقيا وبراً إلى شمال العراق.
وقد كشفت مؤسسة البحوث الاقتصادية في تركيا (TEPAV) في تقرير لها، عن أنّ السوريين في تركيا قد أسسوا أكثر من 10 آلاف شركة حتى مطلع أيلول 2018، 60% من هذه الشركات سوريّة خالصة، بينما 40% منها شراكة بين سوريين وجنسيات أخرى.
كما أن 22 % من الشركات السورية موجودة في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي المحاذية للحدود السورية. وتشير الدراسة نفسها، إلى أن 59.4% من الشركات السورية في تركيا ناجحة، وتمارس نشاطها التجاري كمثيلاتها التركية، وأن 55.4 من الشركات السورية تركز في مبيعاتها على الأسواق الخارجية، حيث تقوم هذه الشركات بتصدير منتجاتها للأسواق الخارجية.
وبحسب تقرير صادر عن اتحاد الغرف والبورصات التركية، فإن عدد الشركات التي اشترك فيها رأس المال السوري خلال النصف الأول من العام 2014 بلغ 238 شركة، كما زاد إلى أكثر من ضعفين خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2015 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2013، بينما بلغ عدد الشركات السورية التي تأسّست في النصف الأول من عام 2014 في تركيا حوالي 585 شركة، من أصل 2331 شركة بمساهمة أجنبية خلال الفترة المذكورة.
فيما كان المدير التنفيذي لمجموعة دوسو دوسي (Dosso Dossi) القابضة، حكمت أر أصلان قد قال في فترة سابقة إن سوق ملابس الأطفال في تركيا، بدأت تشهد اقبالا كبيرا من التجار في الشرق الأوسط، خلال الآونة الأخيرة، مضيفاً أنه قبل الحرب، كان السوريون ناجحين للغاية في إنتاج ملابس الأطفال، ومع اندلاع الصراع، هاجر إلى تركيا العديد من أصحاب المصانع، وافتتحوا شبكات إنتاج في السوق التركية، وجلبوا زبائنهم معهم، خاتماً بالقول: نستضيف في تركيا حاليا آلاف الزبائن من العراق، ولبنان، والجزائر، لقد كانوا في الماضي يشترون البضائع من المصانع السورية.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 7